فيدرالية
اليسار الديمقراطي، نواة لقيام جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية...
محمد الحنفي
إن النضال المجتمعي، الذي يمكن أن نعتبر أن النضال من
أجل الديمقراطية جزء لا يتجزأ منه. وهذا النضال، ليس مهمة حزب يساري معين، أو حتى
مجموعة أحزاب يسارية، بل هو مهمة مجتمعية. وهذه المهمة المجتمعية، تقتضي انخراط
النقابات، والجمعيات، والأحزاب مجتمعة، والشخصيات، وكل أفراد المجتمع، في النضال
من أجل الديمقراطية، ومن أجل فرض الاستجابة للمطالب الواردة في برنامج الحد الأدنى.
وهذا البرنامج، هو الذي لا يتم الاتفاق على النضال من أجل الاستجابة إلى بنوده،
إلا في إطار الجبهة اليسارية / الديمقراطية / النقابية / الحقوقية / الجمعوية:
الثقافية / التربوية / التنموية، والتي صارت تسمى اختصارا: بالجبهة الوطنية للنضال
من أجل الديمقراطية هذه الجبهة التي يمكن أن يطلق عليها أي اسم، من المسميات، تقود
العمل على قلب ميزان القوى لصالح الجماهير الشعبية الكادحة.
وقلب ميزان القوى لصالح الجماهير الشعبية، ليس مسألة
سهلة. إته يحتاج إلى تقديم المزيد من التضحيات المادية، والمعنوية، التي تحتاج منا
إلى الإعداد الجيد للجبهة، وللبرنامج المعتبر حدا أدنى، في المجالات الاقتصادية،
والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بالإضافة إلى برنامج بناء الجبهة الوطنية
للنضال من أجل الديمقراطية: محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا. والبناء السليم
للجبهة، يقتضي تحديد المخاطبين، وبالدقة المطلوبة، من قيل الجهات المبادرة بالدعوة
إلى تأسيس الجبهة المذكورة.
فعلى المستوى الحزبي، توجه الدعوة إلى كل حزب يساري،
ملزم بالنضال إلى جانب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومن أجلهم، وبدون
تردد، أو تراجع، حتى تحقيق الأهداف المتمثلة في التحرير، والديمقراطية،
والاشتراكية، كما توجه الدعوة إلى الأحزاب المعتبرة ديمقراطية، انطلاقا من
اقتناعها بالمنهج الديمقراطي، الذي يقتضي أن تكون الديمقراطية بمضامينها
الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وأن تناضل، بصدق، من أجل تحقيقها
في الواقع اليومي للمواطنين، وللشعب المغربي، بمضامينها المشار إليها سابقا، وتوجه
الدعوة كذلك إلى كل جزب تقدمي / ديمقراطي في فكره، وفي ممارسته، ويسعى إلى جعل
التقدمية سمة أساسية للمجتمع المغربي.
وعلى المستوى النقابي، توجه الدعوة إلى كل نقابة مبدئية،
ومبادئية، مخلصة في النضال، من أجل تحقيق مطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر
الكادحين: المادية، والمعنوية، من أجل التقليص من حدة الاستغلال المادي، والمعنوي،
بالاستجابة إلى المطالب النقابية، التي تطرحها النقابات المبدئية، والمبادئية.
وعلى المستوى الحقوقي، يتم توجيه الدعوة إلى الإطارات
الحقوقية المبدئية، والمبادئية، الحريصة على أن تكون حقوق الإنسان بالمرجعية
الدولية، المتمثلة في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق
الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، تجنبا للسقوط في متاهة
المرجعيات الأخرى، التي تتناقض تناقضا مطلقا مع حقوق الإنسان، وحقوق العمال، كما
هي في المرجعية الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، والتي لا تكون
مضمونة للجميع، إلا بالعمل على ملاءمة القوانين المعمول بها، مع صكوك حقوق الإنسان
الدولية المذكورة.
وعلى المستوى الثقافي، يتم توجيه الدعوة إلى الجمعيات
الثقافية المبدئية، والمبادئية، نظرا لدور الثقافة في بث القيم الثقافية، التي
ترفع وعي العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مما يجعل أداءهم النضالي مؤطرا
بالقيم الثقافية التنويرية، أو الثورية، التي تعد الجماهير الشعبية الكادحة، على
الوعي بالذات، وبالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعل
هذه الجماهير، تسعى انطلاقا من وعيها إلى الانخراط في أي عمل نضالي.
وعلى المستوى التربوي، توجه الدعوة إلى الجمعيات التربوية
المبدئية، والمبادئية، العاملة على إعداد الأجيال، وفق تصور تربوي متقدم، ومتطور،
وهادف، مما يجعل الأجيال الصاعدة نوعية في تعاملها مع الواقع، وقادرة على الانخراط،
ومن الباب الواسع، في كافة النضالات التي تخوضها الجماهير الشعبية الكادحة، التي
تمتلك الوعي بذاتها، وبالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
وعلى المستوى التنموي، توجه الدعوة إلى الجمعيات
التنموية المبدئية، والمبادئية، والتي تملك تصورا تنمويا نقيضا للتصور التنموي
الإقطاعي، أو البورجوازي، أو المخزني، والتي تجعل التنمية بناء على تصورها، في
خدمة الجماهير الشعبية الكادحة، وفي خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وانطلاقا من التدقيق في الإطارات، التي يمكن توجيه
الدعوة إليها، من أجل تشكيل جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية.
لكن؛ من هي الجهة المؤهلة لتوجيه الدعوة إليها، من أجل
تشكيل جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية؟
إننا إذا رجعنا إلى التاريخ الحديث، والمعاصر للمغرب،
نجد أن الدعوة إلى تشكيل جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية، كانت في أواخر
الثمانينيات، من القرن العشرين، بمبادرة من الاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية
الوطنية، وفي إطار اجتماع اللجنة المركزية: (المجلس الوطني حاليا)، وقبل أن يتم
استبدال اسم الاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة الإدارية، باسم حزب الطليعة الديمقراطي
الاشتراكي، ونظرا؛ لأن الحزب في ذلك الوقت، كان يعاني من الحصار المحكم حوله
مخزنيا، وحزبيا، الأمر الذي ترتب عنه: أن لا حزب، أو جمعية حقوقية، أو نقابة، أو
جمعية ثقافية، أو تربوية، أو تنموية، استجاب لدعوة حزب الاتحاد الاشتراكي ـ اللجنة
الإدارية الوطنية، وهي دعوة بقيت تتكرر في بيانات حزب الطليعة الديمقراطي
الاشتراكي، إلى أن انخرط في تحالف اليسار الديمقراطي، الذي تحول فيما بعد، إلى
فيدرالية اليسار الديمقراطي، التي أصبحت تشكل نواة لأي شكل من أشكال الجبهة، التي
تتم الدعوة إلى تشكيلها.
ففيدرالية اليسار الديمقراطي، هي إطار لإنضاج شروط
الوحدة، بين أطراف اليسار المكونة لها، ولكنها في نفس الوقت، هي النواة التي يتم
الارتكاز عليها، لبناء جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية، وهي التي تحدد
الأحزاب، والنقابات، والإطارات الحقوقية، والثقافية، والتربوية، والتنموية، التي
يمكن توجيه الدعوة إليها، لأمرين أساسيين:
الأمر الأول: مبدئيتها، ومبادئيتها، ومصداقيتها، وصدقها
في القول، والعمل.
الأمر الثاني: تأثيرها في الواقع مهما كان، وكيفما كان،
مما يجعل عملها فاعلا في الواقع، ومتفاعلا معه، وساعيا إلى العمل من أجل جعل
الواقع شيئا آخر.
وما دام الأمر كذلك، فإن مكونات فيدرالية اليسار
الديمقراطي، باعتبارها أحزابا يسارية ديمقراطية مناضلة، من أجل إنضاج شروط الوحدة، في إطار
الحزب الاشتراكي الكبير، والمشكلة بذلك لنواة الجبهة الوطنية للنضال من أجل
الديمقراطية، هي المؤهلة علميا، وعمليا، من أجل دعوة النقابات المبدئية،
والمبادئية، والمنظمات الحقوقية المبدئية، والمبادئية، والجمعيات الثقافية
المبدئية، والمبادئية، والجمعيات التربوية المبدئية والمبادئية والجمعيلت التنموية
المبدئية، والمبادئية، من أجل تأسيس الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية.
وباعتبار فيدرالية اليسار الديمقراطي، داعية إلى التأسيس،
فإنها هي التي تترأس الاجتماع الموسع، لمختلف التنظيمات السياسية، والنقابية،
والحقوقية، والثقافية، والتربوية، والتنموية، التي يشترط فيها أن تكون مبدئية،
ومبادئية.
وبعد التأسيس، فإن مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي،
تستمر في عقد اجتماعات الجبهة الموسعة، من أجل التدقيق في الهيكلة، والاتفاق على
برنامج الحد الأدنى، الذي يعتبر أرضية للنضالات، التي تخوضها الجبهة الوطنية
للنضال من أجل الديمقراطية، والتي تحرص على تشكيل لجان مختصة، بمختلف القضايا التي
تهم الشعب المغربي، كما تحرص على تشكيل لجان للتعبئة، حول ذلك البرنامج، وطنيا،
وجهويا، وإقليميا، ومحليا، لإشراك الشعب بكل فئاته، وبجميع طبقاته، المتضررة من
تردي الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تتحول الجبهة
الوطنية الموسعة، إلى جبهة شعبية، ويتحول برنامج الحد الأدنى الذي تناضل من أجل
تحقيقه على أرض الواقع، إلى برنامج حد أدنى شعبي.
وشبكة اللجان التعبوية، في أبعادها المذكورة، تخوض حملات
توعوية واسعة، بالذات، وبالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية
المتدهورة، كما تخوض، في مقابل ذلك، حملات توضيحية، لبرنامج الحد الأدنى، مع الحرص
على الاستماع إلى مختلف الآراء المخالفة، والمختلفة في نفس الوقت، والتي يجب أخذها
بعين الاعتبار، في إعادة النظر في استمرار برنامج الحد الأدنى، من أجل تجنب أن
يكون ذلك البرنامج فوقيا، وحتى تحضر مسؤولية كل فرد، مهما كان موقعه، في صياغة
برنامج الحد الأدنى، وفي النضال من أجل تحقيقه ككل، سعيا إلى وضع حد للفساد
المستشري في المغرب، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وإداريا، ومن أجل
إعادة الاعتبار لإرادة الشعب المغربي، التي لم تعد معتبرة، ومن أجل إبراز دور
اليسار المبدئي، والمبادئي، ودور النقابات المبدئية، والمبادئية، ودور التنظيمات
الحقوقية المبدئية، والمبادئية، ودور الجمعيات الثقافية، والتربوية، والتنموية،
المبدئية، والمبادئية، في تعبئة جميع فئات الشعب المغربي، وكل الطبقات المتضررة،
من السياسة التي تنهجها الطبقة الحاكمة، وكل المستغلين، والمستفيدين من الاستغلال،
ومساهمتها الفعالة في التوعية الشاملة بالذات، وبالأوضاع العامة، والخاصة، وفي
توضيح برنامج الحد الأدنى، وفي العمل على تطوره، وتطويره، انطلاقا من تفاعل الجبهة
الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، مع الواقع المتحول باستمرار، والذي يرفض
الجمود العقائدي.
وفيدرالية اليسار الديمقراطي، عندما تعتبر نواة لبناء
جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية، فلأن هذه الجبهة، تعتبر الوسيلة المثلى،
للعمل على فك الحصار على الجماهير الشعبية الكادحة، وجعل ميزان القوى يتغير
لصالحها. وبالتالي، فإن فيدرالية اليسار الديمقراطي، كنواة للجبهة المذكورة، وكطرف
فيها، تجد نفسها، كباقي مكونات الجبهة، فاعلة في الجماهير، ومتفاعلة معها، ومتجذرة
في واقعها، وساعية إلى جعل هذه الجماهير تتغير من جهة، ومغيرة لواقعها الاقتصادي،
والاجتماعي، والثقافي، والسياسي من جهة أخرى، من أجل جعل ذلك الواقع، في تحوله، في
خدمتها، بعد وضع حدا للفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري،
وبعد فرض التحرر من كل أشكال العبودية، وبعد فرض الممارسة الديمقراطية، بعد نفي
الاستبداد، والانخراط في البناء الاشتراكي، المحكوم بالتوزيع العادل للثروة
المادية، والمعنوية، حتى تطمئن الجماهير الشعبية على مستقبلها، ومستقبل أجيالها
الصاعدة.
وبذلك تكون الجبهة الوطنية قد أدت دورها، بتغيير ميزان
القوى بالجماهير، ولصالح الجماهير الشعبية الكادحة، لتكون فيدرالية اليسار
الديمقراطي قد أدت دورها الأساسي لصالح الجماهير، ومعها، في عملية الإنجاز، لتصير
بذلك رائدة في الفعل، وفي الممارسة اليوميين، مما يطرح عليها مهام الحفظ على
صيرورة ميزان القوى، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة.
فهل يمكن أن نعتبر: أن بناء جبهة وطنية للنضال من أجل
الديمقراطية، من مهام فيدرالية اليسار الديمقراطي، بمكوناتها الثلاثة؟
وهل يمكن بناء الجبهة المذكورة، دون أن تشكل فيدرالية
اليسار الديمقراطي نواة لها؟
وهل تستطيع الجبهة المذكورة، اختراق الواقع الاقتصادي،
والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؟
وهل يمكن قيام هذا الاختراق، دون الاصطدام بالفساد، في
تجلياته المختلفة، ودون العمل على استئصاله من واقع الشعب، ومن واقع الجماهير
الشعبية الكادحة؟
ألا نعتبر أن انتشار الفساد في المجتمع المغربي، مرتبط
بتجذر الظلامية، بوجهيها: المخزني، والمؤدلج للدين الإسلامي، والمتمثل في إعطاء
الشرعية للأحزاب، والتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي؟
ألا نعتبر: أن من مهام الجبهة، الانخراط مباشرة في العمل،
على استئصال الظلامية، من الواقع، كما تعمل على استئصال الفساد منه؟
ألسنا معنيين، كأفراد في المجتمع، بدعم، واحتضان الجبهة
الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، في نضالها من أجل قلب ميزان القوى لصالح
الجماهير الشعبية الكادحة؟
أليست الجماهير الشعبية الكادحة، معنية بدعم، وباحتضان
كل مكونات الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، وفي مقدمتها مكونات فيدرالية
اليسار الديمقراطي؟
وهل تستطيع الجبهة الوطنية، للنضال من أجل الديمقراطية،
إعادة صياغة الجماهير الشعبية الكادحة، بناء على القيم الجديدة، التي يتم بثها في
صفوف هذه الجماهير؟
إننا، ونحن نسعى إلى تقوية فيدرالية اليسار الديمقراطي،
في أفق بناء الحزب الاشتراكي الكبير، نسعى، كذلك، وبدون هوادة، إلى بناء جبهة
وطنية للنضال من أجل الديمقراطية، كامتداد لفيدرالية اليسار الديمقراطي، وكإطار
للنضال، من أجل جعل ميزان القوى لصالح الجماهير، الذي لا يتحقق إلا باستئصال
الفساد، والظلامية، من هذا الواقع.
ابن جرير في 29 / 05 / 2019
محمد الحنفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق