تجليات فعل القراءة في القران/ قراءة عرفانية للحظة الوحي
الأولى و التوظيف القراني للفظة إقرأ "
تأليف/ الأستاذ الباحث محمد الصالح الضاوي-باحث جزائري-
عرض و تقديم / حمزة بلحاج صالح –كاتب و باحث
جزائري-
-الجزء الثاني-
" لحظة التنزيل الأولى " ..
هل
يمكن للقارىء أن ينتظر تفسيرا لفعل القراءة يختلف عما ساقه المفسرون في كتبهم هو السؤال
الذي طرحه الباحث محمد الصالح الضاوي
و
بين ما لحالة الرفض من بعد نفسي-ثقافي أكثر منه ديني معرفي و علمي
بل
بين كيف أن القران يفهم بلغة العرب و سياق تنزيله و وضع اللغة في ذلك السياق
و
أنه لا ينادي بإلغاء الموروث التفسيري كما يفعل بعض الصوفية لما يلغون التفسير الفقهي
مقابل التفسير الصوفي
و
هو موقف حصيف عارف و متوزان لا يشتغل بالتراث من منظور رؤية تبعيضية و تجزيئية بل تكاملية
شاملة و نسقية....
يبحث
الأستاذ محمد الصالح في شحنة مصطلح " الوحي" و حمولاته..و الذي يراه
" جنسا معرفيا مخصوصا و متميزا قد يتقاطع مع غيره من أجناس المعرفة الإنسانية
في بعض المستويات " " و من ثمة يكون لزاما معرفة اللحظة الحقيقية للوحي و
رتبتها و مسار الوحي " ذلك أن تحديد اللحظة الأولى " يقدم لنا صورة عن التحول
الذي حصل للمصطلح " ..
و
يرى بأنه " يلاحظ أن اللحظة الأولى كتجربة روحية عند الرسول الأكرم كانت متقدمة
بالنسبة لفعل القراءة عما كان عليه قومه "..
كما
استخلص من حديث للرسول الكريم من " أنه كوشف في قضية الوحي بفعل القراءة الذي
مر بمرحلتين هما الرؤيا و التحدث "...
و
أشار إلى أن " صدمة اللقاء الأول بين جبريل عليه السلام و رسولنا صلى الله عليه
و سلم أفقدت اللحظة الأولى شروطها الواعية و أخرجت الرسول من حالته النفسية العادية
لتنقله إلى شرط جديد و أجواء جديدة و عالم جديد...حالة سيطرت عليه لثوان ( أرجو أن
ينظر في تكميم هذه اللحظة بمقدر الثوان فنحن لا علم لنا بجانبها الكمي إلا أنها من
غير شك قصيرة ) " ثم انهار بعدها "
" يقول الكاتب " الأمر الذي يدل على أن
إجابة الرسول بالنفي على جبريل لا تستجيب إلى أنساق اللغة العربية و التاريخ بقدر ما
ئؤسس للغة جديدة و تاريخ جيديد و معرفة جديدة و إطار جديد " يقول عنها الكاتب
" خارج عن المعتاد و خارج عن الزمني"....
هكذا
تواصل تحليل الباحث لحمولات اللحظة الجديدة و معانيها بردها إلى السياق الزمني لحظة
وقوع و خارج السياق الزمني دلالة و أفقا..
لقد
نجح الكاتب في إعطاء إشراقة جديدة للقارىء و شحنه بمعان يدشن بها تدبره للنص القراني
وفق شروط وعي ترد إلى معالمها ..
و
ينتهي إلى أن هنالك فرق بين فهم الوحي في إطار لحظة تنزله و بين فهمه بعد قراءته و
إعادة إنتاجه من خلال التلاوة....
و
من خلال فقرة لأحمد الرفاعي تتعلق بتطهير اللسان دشن الكاتب فصلا جديدا وسمه
" حضرة الأمر بالقراءة " ...
بين
و لخص فيه كيف أن اللحظة التي كوشف فيها الرسول الأكرم " كانت اخر لحظات ليلة
طويلة استغرق خلالها الرسول في حضرة ربه و وصل فيها إلى مقام الربوية فجاءه الحق"
و
أترك الكلام على ذمة صاحبه و بينه و بين القارىء رغم استشهاده بقول ام علي بنت عبد
الله التي تحدثت عن قرب الوصول " إلى عالم الربوبية" لا مقام الربوبية في
تقديري..
و
واصل الكاتب تبيينه أن الرسول كان إبراهيميا مقتديا بجده مكررا ليلة الوصلة و الوصل
و الوصول مستشهدا شرح صاحب الإحياء في تفسير قوله تعالى " فلما جن عليه الليل
رأى كوكبا قال هذا ربي " التي هي نهاية فسحة
إبراهيم
عليه السلام تتبعا للنور و دليل الاطراد لمخلوقات الله من الكواكب المنيرة..
مبينا
كيف أن مقصد العارفين جميعا هو وصل الله و لقاؤه فقط..
و
إيثار الله على كل شيء موردا أيضا قول سعيد الخراز في الوصل ..ثم تناول موضوع الفناء
باعتبار الوصول فناء في المحبوب..
لعلني
لا أتقاطع مع صاحب الكتاب في قوله ( ليس جهلا بحقيقة الحلول لكن باعتبارها ريحا شرقية
هبت على العرفان الاسلامي فتمشرق..)..
حيث
فسر الكاتب سر الغط و قد اشار من قبل الى ذوبان الذات المحمدية في فعل الرب و حضرته..حيث
كما قلت فسر الغط الذي حصل لرسولنا الاكرم من قبل جبريل عملية روحية تنقل الرسول من
مقام عين الجمع و ترده الى عالم التفصيل و عالم الإنسان و لكن ليس بصفاته الذاتية بل
بصفات الله تعالى و باسم الرب جل و علا بذات مكرمة و بصورة الإنسان...
و
إن كنت اتحفظ على مثل هذه التفسير و أعتبره كما قلت حلولا ممزوجا ببعض النفحات المسيحية
ليس قصدا بل تسربت إلى العرفان الإسلامي و من نهلوا منها و أرى فيها روحانية تزحزحت
من فضاء عرفان أصيل سليم إلى تأويل مشرقي هيلنستي يقفز بالتأويل من غير قرينة قريبة
إلى تاويل بعيد ينتظم و الوافد الروحي الغنوصي...
إنني
و أنا أتحفظ على لون من الفهم محدد لا أقصد به تجريما و لا انتقاصا من قيمة الكتاب
و لا صاحبه الذي أعرف عنه صدق المقصد و نقاء الروح و ثورية النزوع
...
إن
تصوفه مهما اختلفنا معه أرقى من كثير من التصوف اللاعارف و المحدود لبعض الطرق و الجماعات
التي تنشر الدروشة و الخرافة..
يورد
الأستاذ محمد الصالح الضاوي نصا يختم به فصله للقاشاني في تفسيره ينسب إلى الشيخ الأكبر
محي الدين ابن عربي تناول فيها رتبة رد الجمع إلى التفصيل..
ليستخلص
ما يلي /
أولا/
تعبد
الرسول في غار حراء هو بحث عن سر الكون و الإنسان و الحياة
ثانيا/
فناء
الرسول حسب رأيه في رتبة الجمع في الحضرة الشاملة إنتهى بأمر الله للرسول بالرجوع إلى
الخلق بأوصاف جديدة ( هذا يتنافى و بشرية الرسول في تقديري فالأصطفاء في نظري لا ينزع
البشرية و يرسخ الفردية و التميز..)
ثالثا/
في
الحضرة الشاملة حيث وجود النبي حصل بالله و انتفى به الوجود الفردي فكان الأمر بالقراءة
من الله تعالى و كان المأمور أيضا بالله تعالى ( و لا أحسب هذا إلا حلولا أتحفظ عليه
و الله لا يمكنه أن يكون موضوع أمر بل أمر الرسول وحده فلا معجزة للرسول إلا القران
و مشيئة الله تعمدت بقاء الأمر الإلهي في متناول العقل الإنساني و النفس الإنسانية
الرسولية و لا أحد يعلم كيفيات حدوث اللحظة الأولى سوى الله عز وجل
)
رابعا/
لما
كوشف رسول الله بامر القراءة و هو فان عن نفسه اعتذر عنها لعدم وجوده الذاتي و لأن
الوجود الوحيد كان الوجود الحقاني (نسبة إلى الحق) ..فكأن الأمر بالقراءة كان من الله
و إلى الله فرد الله للرسول صفته الخلقية لينوب عن الله في القراءة ( الخلافة) فخصه
باسم الرب الذي يجمع صفات الأفعال و ميز منه فعل الخلق باعتباره فعل الحجاب...
كان
الفصل عميقا و مثيرا لأسئلة كثيرة عند القارىء خاصة و أنه في تقديري قد لامس مسألة
في نفس الوقت غنوصية المشرب مشرقية النزوع عرفانية و إسلامية المصدر أو المرجع و أنطولوجية
الصفة و فلسفية العمق....
لا
يهم أن نختلف أو نتفق فالذي يهمهنا هو ارتقاء القول في العرفان فليرتقي القول بالإختلاف
و التأييد و التوافق...." (يتبع)
تأليف/ الأستاذ الباحث محمد الصالح الضاوي-باحث جزائري-
عرض و تقديم / حمزة بلحاج صالح –كاتب و باحث جزائري-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق