الانتخابات والفساد الجماعي أي واقع وأية آفاق؟.....2
محمد الحنفي
المعيقات الذاتية:
1) سبق أن أشرنا إلى أن هناك معيقات داخلية، ومعيقات ذاتية، تحول دون تقدم،
وتطور جماعاتنا. وسنترك المعيقات الداخلية، إلى مكان آخرن وسنكتفي هنا في هذه
الفقرة، بمناقشة المعيقات الذاتيةن التي نجد من بينها:
شيوع كل أشكال الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، التي
أصبحت ممارستها اليومية، تدخل في إطار ممارسة الحياة العادية، إلى درجة: أنه يمكن
القول: بأنه لا حياة بدون فساد.
والفساد، أساس قيام أية حياة متكاملة: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا،
وسياسيا.
وإذا أردنا أن نتمتع بالحياة المتكاملة، لا بد من الإقرار بضرورة ممارسة
الفساد، في أبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، إلى درجة: أن
الفساد أصبح يتخلل حياة الأفراد، وحياة الجماعات، وحياة الشعوب، وحياة الدول.
وبناء عليه، فإننا نجد أن شيوع الفساد السياسي، الذي أصبح يترتب عنه: أن
ممارسة مؤسسات الدولة السياسية فاسدة، وأن الأحزاب التي تشرف وزارة الداخلية على
تنظيمها، هي أحزاب فاسدة، وأن الحزب الذي تشرف الدولة، رأسا، على تنظيمه، هو حزب
فاسد.
وهذا الفساد، لم يبق محصورا في أطر الأحزاب، التي اصطلح على تسميتها ب:
(الأحزاب الإدارية)، أو في الحزب الذي اصطلح على تسميته ب: (حزب الدولة)ن بل امتد
هذا الفساد إلى مجموعة من الأحزاب الموصوفة ب: (الديمقراطية)، و(اليسارية)، كما هو
معروف، خاصة، وأن الأحزاب، في معظمها، الممثلة في البرلمان الفاسد، هي أحزاب
فاسدة.
والحزب الفاسد، لا يمكنه أن يستقطب إلا الفاسدين، ولا يفتح أذرع الترحيب
إلا للفاسدين، ولا يحرص على الترشيح باسمه إلا الفاسدون. وحزب من هذا النوع، لا
يشرف الشعب المغربي، كما لا يشرف المغرب، الذي لا يعتز إلا بالمناضلين الأوفياء،
للتاريخ، وللأرض، وجدوا أنفسهم يعيشون عليها، ومما تنبت، ومما يوجد عليها من
حيوانات داجنة، التي يأكل لحومها، ويستفيد من جلودها؛ لأن الفاسدين، يفسدون
المحيط، ويفسدون الشعب، ويفسدون مفهوم الإنسان، ومفهوم حقوق الإنسان، ومفهوم الأمل
في الحياة، في مجال الاقتصاد، وفي مجال الاجتماع وفي مجال الثقافة وفي مجال
السياسة.
أما الحزب الذي لا يمكنه أن يستقطب إلا الشرفاء، فإنه لا يتفاعل أبدا مع
الفاسدين، ولا مع الفاسدات، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، كما ينبذ من
بين صفوفه، من مارس الفساد، ومهما كان ممارس الفساد، في الهيأة التنظيمية؛ لأن
الحزب النظيف، يبقى حزبا نظيفا.
ومن مظاهر النظافة، التي يتغنى بها الحزب النظيف، محاربة الفساد في صفوفه،
قبل الشروع في محاربته في الواقع: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا؛ لأن
النظافة الحزبية، عندنا، تتناقض تناقضا مطلقا، مع الفساد، الذي تمارسه العديد من
الأحزاب، على مدار السنة، إلى درجة أنها انبنت على أساس الفساد، الذي انتشر في
صفوفها، يمينا، وشمالا، شرقان وغربا، إلى درجة: أن الأحزاب الفاسدة، صارت تعبر عن
وجود الفساد، أينما وجدت، كما تعبر الأحزاب النظيفة، عن النظافة، أينما وجدت، على
مستوى الشرق، وعلى مستوى الغرب، وعلى مستوى الشمال، وعلى مستوى الجنوب.
فشيوع الفساد، إذن، في تفشي إرادة إرادة الأحزاب الإدارية، وشيوع نظافة
المجال، من شيوع إرادة أحزاب الشعب، بالدرجة الأولى؛ لأن الشعب في حاجة إلى الوعي
بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
والذين يقفون وراء توعية الشعب، بمختلف الأوضاع الآنية، والمستقبلية،
معطلون إلى حين. وهؤلاء المعطلون، الذين تحولوا إلى مرضى بالتطلعات الطبقية،
ينحازون إلى أي جهة، كيفما كانت، إلا للشعب، وطليعته الطبقة العاملة، وباقي
الأجراء، وسائر الكادحين.
فتطلعات (المثقفين)، تمنعهم من الانحياز إلى الشعب، وإلى الكادحين بالخصوص،
وفي نفس الوقت، تدفعهم إلى العمل على الالتحاق بالأحزاب الفاسدة، التي تقف وراء
تحقيق تطلعات البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، حتى يغادر مجال تواجد البورجوازية
الصغرى، والمتوسطة.
وهؤلاء المثقفون، المرضى بالتطلعات الطبقية، يحتكرون الثقافة، كما
يفهمونها، ويوظفونها توظيفا سلبيا: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، لصالح
الطبقات المستغلة، وخاصة الطبقة الحاكمة، باعتبارها الوسيلة المثلى، لتحقيق
التطلعات الطبقية، التي، بدونها، يبقى المثقفون حبيسي الطبقة الوسطى، فلا يلتحقون
بالطبقة المستغلة، أو المستفيدة من الاستغلال المادي، والمعنوي.
وهذه الشروط، التي نعيشها، هي شروط، تقود إلى تبلتر الطبقة الوسطى، التي
تزداد خوفا على نفسها، خاصة، وأنها تتحاشى أن تتبلتر.
ولذلك، على الشعب أن ينتج مثقفيه العضويين، الذين ينفرزون من بين صفوفه،
ليتحملوا مسؤولية توعية الشعب، بأوضاعه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية،
التي ينخرها الفساد، الذي ينخر المجتمع ككل. الأمر الذي يترتب عنه: أن توعية الشعب
بهذه الأوضاع، التي تعج بكل أنواع الفساد، التي من بينها الفساد الانتخابي، الذي
يأتي كامتداد للفساد السياسي، الذي يعبر عن سيادة الفساد، في المجتمع.
وانطلاقا، مما رأينا، فإن المفهوم الذي نعطيه للانتخابات الجماعية، هو
مفهوم انتخابات شيوع الفساد في المجتمع:
أولا: فساد الناخبين، الذين يبيعون ضمائرهم.
ثانيا: فساد سماسرة ضمائر الناخبين، أو التجار في ضمائر الناخبين.
ثالثا: فساد المرشحين، الذين لا يعملون على توعية الناس، ببرامجهم
الانتخابية، بقدر ما يحرصون على شراء ضمائر الناخبين، من تجار ضمائر الناخبين، من
أجل الوصول إلى مراكز القرار المحلي، أو الإقليمي، أو الجهوي، أو الوطني، من اجل
ممارسة النهب من الثروات، المخصصة للجماعات الترابية: المحلية، أو الإقليمية، أو
الجهوية، وعلى المستوى الوطني.
وهذا الفساد، الذي يستهدف مجال أي جماعة ترابية: محلية، أو إقليمية، أو
جهوية، يجري أمام أعين السلطات المحلية المسؤولة، التي لا تحرك ساكنا، فكأنها لم
توجد، في الأصل، إلا لترعى الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي،
ومنه الفساد الانتخابي، الذي ينشط كلما كانت هناك انتخابات.
والسلطات المحلية، التي لا تحارب كل أشكال الفساد الانتخابي، والإداري، هي
سلطات فاسدة.
والوزارة التي تنتمي إليها تلك السلطات المحلية، هي وزارة فاسدة، والحكومة
التي تنتمي إليها الوزارة الفاسدة، هي حكومة فاسدة. والدولة التي تمثلها تلك
الحكومة، هي دولة فاسدة. وإذا لم يكن الأمر كذلك:
فلماذا لا تتحرك السلطات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، لمحاربة
الفساد؟
إن عدم تحرك السلطات، في مستوياتها المختلفة، لمحاربة الفساد، ناتج عن
كونها استغلت فساد الدولة، وفساد السلطات، في مستوياتها المختلفة، لجعل الفاسدين:
من كبار الإقطاعيين، ومن كبار البورجوازيين، ومن كبار أصحاب الامتيازات، ومن
المهربين، ومن المتمتعين بامتيازات الريع، الأمر الذي يترتب عنه: أن هؤلاء الذين
تأصلوا من الفساد، لا يمكنهم أن يمارسوا إلا الفساد، ولا يمكنهم أن يقفوا إلا وراء
انتشار الفساد، بأشكاله المختلفة، بين أفراد المجتمع، بمن فيهم الناخبون، الذين لم
يسلموا من ممارسة الفساد الانتخابي، المتمثل في عرض ضمائهم للبيع، على رصيف
الانتخابات.
ولذلك، فالفساد لا يزول، مادام هناك فاسدات، وفاسدون، يعملون على نشره بين الأجيال
الصاعدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق