الثلاثاء، 24 أبريل 2012

الرئيسية تقرير الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم

تقرير الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم




تقرير الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم

يوم 12 أبريل 2012 تحتفل الحكومة بمرور 100 يوم على تنصيبها وهي حتما مدة
غير كافية لإصدار أحكام نهائية على أدائها، فعمرها الافتراضي يمتد لخمس
سنوات ستتخللها بالضرورة وقفات كثيرة من أجل التقييم المرحلي لعملها،
والوقوف بشكل أدق على نجاحاتها وإخفاقاتها، مع العلم أن الحكم النهائي هو
الذي سيصدره الشعب في صناديق الاقتراع. ولكن تبقى المائة يوم مؤشرا معبرا
على قدرة الوزراء الذين يشكلون الحكومة على بلورة رؤية واضحة لما
سينجزونه في القطاعات التي يتولون تسييرها، وبناء استراتيجية متكاملة
لتنزيل البرنامج الحكومي الذي صوت عليه البرلمان.

الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم تتبعت ما قام به وزير التربية
الوطنية خلال هذه الفترة، واشتغلت بالخصوص على المادة التي توفرها
الصحافة الوطنية في هذا المجال مركزة أساسا على التصريحات التي أدلى بها
السيد الوزير، والتي حرصنا على إيرادها بين مزدوجتين كما جاءت على لسان
صاحبها. نركز في هذا المقال على تقديم وجهة نظر الجمعية حول ما اتخذه
السيد الوزير من قرارات في قضايا كبرى مرتبطة بتدبير الشأن التربوي
ببلادنا، ومدى ارتكاز هذه القرارات على رؤية واضحة لقيادة المنظومة
التربوية نحو مستقبل يليق بطموحات المغاربة.

في مجال الرؤية والتخطيط الاستراتيجي

إن المنطق السليم في تدبير الشأن العام مهما كان المجال، يستدعي أن يقوم
السيد الوزير المعين بتحديد إستراتيجية القطاع الذي يشرف عليه انطلاقا من
البرنامج الحكومي الذي صادق عليه البرلمان. لكن يبدو أن السيد وزير
التربية الوطنية لا يزال بصدد استكشاف الملفات والإطلاع على كيفية اشتغال
المنظومة التربوية، وفق منهجية غير واضحة تطبعها في كثير من الأحيان
ضبابية في الرؤية وتسرعاً في اتخاذ بعض القرارات التي خلقت بلبلة على
مستوى القيادة التربوية مركزيا وجهويا وإقليميا. ومنذ اللقاء الأول مع
المسؤولين الذي تم بمناسبة تسليم السلط، أعطى السيد الوزير بعض الإشارات
التي اعتبرت في حينها التوجهات الاستراتيجية الأولية التي ينوي أن يسير
عليها القطاع، وتمثلت أساسا، كما جاء في التصريح الذي أدلى به للقناة
الأولى، في ضمان استقرار المنظومة على مستوى تدريس اللغات والمناهج
والبرامج الدراسية والكتب المدرسية، والسير على نهج الاستمرارية مع
التفكير في إطلاق أوراش جديدة تهم مراجعة النظام الأساسي لنساء ورجال
التعليم، والقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث
العلمي، وإعادة النظر في مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية.

وتوالت الاجتماعات مع مختلف المسؤولين من بينها اللقاء التنسيقي مع مديري
الأكاديميات والنواب الذي عرف زيارة خاطفة وإيجابية للسيد رئيس الحكومة،
واللقاء التنسيقي مع النقابات، والمجالس الإدارية للأكاديميات، حيث أعلن
السيد الوزير عن توقيف بيداغوجيا الإدماج وإنهاء العمل بالبرنامج
الاستعجالي في نهاية السنة الدراسية الحالية، ووقف التعامل مع الخبراء
الأجانب، ووضع حد لإصدار المذكرات التنظيمية وعدم تغيير الكتاب المدرسي،
كما حث على عدم الحديث عن اختلالات المنظومة والاعتراف بأن حالها على ما
يرام. لكنه في تراجع عن بعض ما أعلن عنه وخاصة ما يتعلق بالكتاب المدرسي،
حيث قرر مواصلة سيرورة إعداده التي بدأت في نهاية السنة الدراسية
المنصرمة. وعندما نعلم أن الكتاب المدرسي سيتم تغييره بناء على المراجعة
التي طالت مناهج المرحلة الابتدائية في السنة الماضية، وأن هذه المراجعة
جاءت أساسا لتكييف المناهج الدراسية مع متطلبات بيداغوجيا الإدماج، فهذا
يعني ضمنيا مواصلة العمل بهذه البيداغوجيا وإقرار المناهج الجديدة التي
من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في الموسم الدراسي 2014/2013.

من جهة أخرى، فإن هذه المناهج طالت أمورا جوهرية تتطلب استشارة موسعة مع
الفاعلين التربويين والاقتصاديين والاجتماعيين في إطار الآلية التي نص
عليها الميثاق الوطني للتربية والتكوين. ومن بينها على سبيل المثال تدريس
اللغة الفرنسية التي تنص المناهج الجديدية على تدريسها ابتداء من السنة
الأولى ابتدائي رغم أن الميثاق نفسه ينص على تدريسها في السنة الثانية.

ومما لا شك فيه أن الجميع على علم بما تعاني منه المنظومة من اختلالات،
ولعل هناك إجماع على أن أحد المصادر الأساسية لأزمات المنظومة تتمثل في
المنهاج الذي لم ينل لحد الآن العناية الضرورية لبنائه البناء المتكامل
والمتماسك. ويمكن اعتبار المرحلة التي تتسم بإقرار دستور جديد وتنصيب
حكومة جديدة، مواتية للاهتمام بالمنهاج وربما مراجعة الميثاق الوطني
نفسه. بل إن البرنامج الحكومي نفسه يؤكد على ذلك، لكن في ظل غياب رؤية
مرسومة وواضحة على مستوى تدبير القطاع، وهيمنة الارتجالية في اتخاذ
القرار فإن الأمر يبدو بعيد المنال.

في مجال مقاربة التدبير واتخاذ القرارات

1- بيداغوجيا الإدماج: يحلو للوزير أن يقول أن هذه البيداغوجيا \أحدثت

فتنة في المغرب ويرفضها أغلب رجال التعليم...\، مع العلم أنه لم يتم
إجراء أية دراسة من طرف الوزارة لتحديد نسبة الراضين عن هذه البيداغوجيا
أو الرافضين لها، كما أن أي إصلاح بيداغوجي يكون مبدئيا غير مرحب به من
طرف نسبة هامة من المستهدفين لأنه يأتي بالجديد والطبيعة البشرية تتوجس
من كل ما هو جديد، وفي غياب مقاربة واضحة لقيادة التغيير فالمقاومة تكون
دائما واردة. لهذا فالسبب الأساسي للرفض المزعوم هو عدم انخراط الموارد
البشرية في الإصلاح عموما وليس فقط في بيداغوجيا الإدماج.

أما الادعاء بأن "هناك رجال تعليم استفادوا منها من حيث الحصص التكوينية
والتعويضات والتنقلات" فهذا ليس مبررا لإلغائها لأنه إن صح، فهو مرتبط
بتدبير العملية ويكفي التفكير في آليات الحكامة لتجاوز الإشكالات
المطروحة، وإذا كان السيد الوزير يرى أن "الموضوع يتجاوز ما هو تربوي
وبيداغوجي وينحصر في منطق المصالح الشخصية والذاتية" فهذا يعني أنه يعتبر
منطقيا إيقاف مشاريع ولو أثبتت فعاليتها التربوية فقط لوجود مشاكل
تدبيرية. إنه لمن المؤسف أن ينعت السيد الوزير تقويم الكفايات بتقويم
"ديال الريح" رغم أن هناك أطراً متخصصة في الوزارة هي التي قامت بصياغة

المذكرة المعنية (204)، ولا يمكن الحديث اليوم عن عدم جدواها إلا من طرف
مختصين عملوا على تقويم أجرأتها في الفصول الدراسية. أما "توقيف العمل
بها إلى أن يتم التقييم من طرف مكتب الدراسات ثم يتم اتخاذ القرار
بعدها"، فيؤكد أن السيد الوزير يتخذ قرارات دون أن تكون مبنية على معطيات
تسندها وتبرهن على وجاهتها. والسؤال الجوهري هنا هو: هل سيتم التراجع عن
القرار المتخذإذا أكدت الدراسة جدوى المذكرة 204؟ وهل الأستاذ الذي
منحناه اليوم حرية اتخاذ القرار في كل ما يتعلق بمنهجية التقويم، سيقبل
بمنهجية جديدة للتقويم تقررها الوزارة غدا؟. بل إن الارتباك الذي أحدثه
القرار المتعلق ببيداغوجيا الإدماج يجعل الجهد المطلوب لإعادة إرسائها،
بناء على نتائج التقويم إذا كانت إيجابية، سيكون لا محالة جد مكلف ماديا
ومالياً وخاصة تربوياً. فعن أي حكامة بعد ذلك يمكننا أن نتحدث؟

2- الخبرة الأجنبية: صرح السيد الوزير "لا أريد لأجانب أن يقرروا في

التعليم بالمغرب وتصرف لهم الملايير" وفي هذا السياق، اتخذ القرار بوقف
التعامل مع مكاتب الدراسات. إذا كان صحيحاً أن اللجوء إلى مكاتب الدراسات
الأجنبية لا ينبغي أن يتم إلا عند الضرورة، فهناك مجالات قد لا نتوفر
فيها على الخبرة الكافية، ولا بد فيها من الانفتاح على الخبرة الأجنبية
أو على خبرات مغربية مهاجرة مع العمل على تأهيل الخبرات الوطنية الضرورية
لتأمين الاستمرارية للمشاريع المرتبطة بهذه المجالات. مع العلم أن القرار
النهائي بتبني نتائج الدراسات يعود للقيادة بالقطاع.

3- التوظيفات المباشرة: لا يمكن للمرء إلا أن يتفق مع السيد الوزير في أن

التوظيفات المباشرة تضر بالقطاع وأن قراره بـ "ألا يقبل بأي منصب جديد أو
التحاق خارج معايير التكوين بالمؤسسات ذات الصلة" قرار سليم نرجو أن
يفعل. لكنه في الوقت الذي ينعت "بالعار التحاق أي حامل لشهادة عليا بقطاع
التربية دون تكوين" فإنه يطرح كحل لسد الخصاص الحاصل في الأساتذة
الاستعانة بالساعات الإضافية التي يقوم بها أصحاب الشهادات العليا الذين
لم يسبق لهم أن تلقوا أي تكوين في المؤسسات ذات الصلة، وهو ما يوقع السيد
الوزير فيما انتقده واعتبرَه خطأ كبيراً ارتكبه سابقوه، بل أكثر من ذلك
سيؤسس لمجموعات ضغط ترفع من عدد المطالبين بالإدماج كأساتذة في قطاع
التعليم في المدى القريب. وبذلك تنطلق دورة جديدة لإنتاج المطالبين
بالإلحاق وهكذا دواليك.

4- التكوين المستمر: لقد قرر السيد الوزير توقيف التكوينات لأنه "لا يعرف

الجدوى منها خارج هدر المال العام" حسب تعبيره مع أنها حق مشروع للأستاذ
كما جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ولا يمكن لأي منظومة تربوية
أن تطور أداءها إلا إذا تطور أداء المدرس خاصة في ظل تكوين أساس لا يفي
بكل المطلوب. وإذا كانت هناك بالفعل بعض التكوينات التي تفتقر إلى
مواصفات الجودة المطلوبة وهناك أخرى بدون أثر يذكر على أداء المدرس، فهذا
راجع إلى ضعف في التدبير، خاصة على مستوى الأكاديميات؛ ضعف يمكن تجاوزه
بإرساء تدابير إصلاحية ملائمة وليس بتوقيف التكوينات علماً أن بعض
المشاريع لا يمكن إنجازها دون تأهيل الموارد البشرية بالقطاع. وإذا كان
السيد الوزير سيعيد النظر، كما قال، في التكوين المستمر حتى لا يتم في
أوقات العمل فنحن معه في ذلك لأنه متوافق مع ما جاء به الميثاق، لكن أن
يقول أن "من له الرغبة في التكوين عليه الحصول على عطلة سنة" كما لو أنه
امتياز يحصل عليه الموظف فهذا يتعارض مع ممارسة حق الموظف في التكوين
المستمر الذي حدده الميثاق في 30 ساعة سنويا بالنسبة للتكوين القصير
وفترة أطول لإعادة التأهيل مرة كل ثلاث سنوات. يبقى فقط أن يدبر هذا
التكوين طبقا للمعايير المعروفة في مجال هندسة التكوين بناء على حاجات
إصلاح المنظومة التربوية.

5- تدبير الزمن المدرسي: إن الأمر لا يتعلق كما يقول السيد الوزير "سوى

باستعمال الزمن المدرسي العادي كما تعود عليه المغاربة في مدرستهم
العمومية منذ عشرات السنين" بل الأمر يتعلق بتصور جديد كان يروم وضع
قواعد لتدبير الزمن المدرسي تراعي الاستعدادات البيولوجية والنفسية
والتعلمية للتلميذ لجعل هذا الأخير فعلاً في صلب اهتمام المنظومة
التربوية، أما مسألة تدبير استعمال الزمن فظلت دائما من مسؤولية المفتش
والمدير بتنسيق مع الأساتذة.

6- تقويم التعلمات: إن الانتقال من تقويم للتعلمات يرتكز على الموارد كما

كان يتم في السابق إلى تقويم للكفايات كان يستدعي مراجعة أدوات وأساليب
التقويم، وهو ما أرادت الوزارة أن ترسيه بواسطة المذكرة 204 غير أن
الطريقة المقترحة تبدو بالفعل معقدة كما يقول السيد الوزير ولذلك تم
اقتراح برنام يساعد الأستاذ على تيسير العمليات المطلوبة. غير أنه لم
يوَفَّر في الوقت المناسب مما ساعد على خلق توتر لدى الأساتذة. لكن
السؤال المطروح، هو هل نريد أن نستمر في نمط تعليمي مبني على الحفظ وحشو
الذاكرة أم نريد نمطاً يروم تنمية الكفايات لدى المتعلمين؟ فإذا كان
التقويم التقليدي كما يقول السيد الوزير كافياً لمعرفة المستوى المعرفي
للمتعلمين فهو غير كاف لمعرفة مستوى تملكهم للكفايات المستهدف تنميتها
لديهم.

7- ثانويات التميز: قرر السيد الوزير توقيف إحداث ثانويات التميز التي

كانت مبرمجة برسم السنة المقبلة، لكنه أكد أنه لن يمس أي ثانوية لها
مكتسبات على هذا المستوى، فهل يعني ذلك أن الثانويات التي تم إحداثها
ستواصل مهامها في رعاية الموهوبين في الجهات التي تتواجد فيها وسيتم بذلك
إقصاء باقي الجهات من هذه الثانويات؟ أم هو إجراء فقط لتطويق الاحتجاجات
التي أثارها القرار؟.

وغني عن البيان أن القرار مخالف لما جاء في الميثاق في مادته 123 كما أن
جميع المنظومات التربوية المتقدمة تحدث آليات خاصة لتمكين الموهوبين من
تطوير مؤهلاتهم وتمكين الدولة بالتالي من الاستفادة الفعالة من مواردها
البشرية بما يتيح لها إمكانية التقدم نحو الأفضل، لأن المدرسة العمومية
تتوجه بطبيعتها إلى كتلة التلاميذ المتوسطين مما يجعلها لا تستجيب لحاجات
التلاميذ المتفوقين، الذين يصنفون ضمن الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويجدر التذكير هنا، أن تنفيذ مسطرة ولوج هذه الثانويات أسست لتدبير ينبني
فعلا على مبدأ الاستحقاق وتكافؤ الفرص، أشادت به أطراف عدة. ولا أدل على
ذلك من أن أغلبية التلاميذ الملتحقين بثانويات التميز ينحدرون من أسر
فقيرة وقرى أحيانا نائية أما أبناء الأعيان من الفئة التي أشار إليها
السيد الوزير في تصريحه لتعليل قراره، فلا يحتاجون للمدرسة العمومية
أصلاً. وهنا لابد من التأكيد، تفاديا لكل تأويل، على أن هذه الثانويات
فتحت لأبناء المغاربة كانوا أعياناً أم بسطاء، فقط التنافس التربوي
الشريف والنزيه هو الفيصل بينهم.

من جهة أخرى هناك مع كامل الأسف خلط لدى السيد الوزير بين ثانويات التميز
والثانويات المرجعية، حيث أن هذه الأخيرة لا تقدم لها الوزارة أية إعانات
خاصة بل هي ثانويات استطاعت بـ"صفر درهم" إضافي عن باقي الثانويات
التأهيلية، لكن بإمكانياتها الذاتية وانخراط مواردها البشرية، أن تطور
ممارسات جيدة في بعض المجالات التي تحددها المرجعية الوطنية للجودة. وهي
للأسف التي قالت الصحف بشأنها نقلاً عن السيد الوزير بأن واحدة منها تكلف
40 مليون درهم.

8- القانون الأساسي لموظفي القطاع: قال السيد الوزير أنه "سيعمل على

تحويله إلى عقد واضح بين الحكومة والوزارة والشغيلة في إطار الحقوق
والواجبات بشكل واضح، ومن خلاله سيتم التعاطي مع باقي المشاكل التي تنخر
القطاع كالهدر المدرسي والدروس الخصوصية واستغلال القسم"، وهذا شيء
إيجابي لكن في ظل التنازلات التي بدأ بها السيد الوزير "مفاوضاته" مع
النقابات يبدو من الصعب إقناع هذه الأخيرة بمبادرات تحد من هذه الظواهر
السلبية.

9- محاربة الفساد: إن الجميع يساند السيد الوزير حينما يقول بأنه " لن

يقبل بتبذير الأموال العمومية وسيفضح أي اختلاسات وقف عليها" وأنه "سيكشف
عن أسماء كل المستفيدين من هذه البرامج أمام الشعب المغربي من أصحاب
الزرود والتنقلات الخاوية من محترفي السفريات على حساب الوزارة". إن
الرأي العام عامة ونساء ورجال التعليم خاصة سيكونون ممتنين للسيد الوزير
متى أصدر لائحة بهذه الأسماء والاختلاسات التي تمت، بل نحن في دولة الحق
والقانون والمفسدون لا بد أن يقدموا إلى العدالة على اعتبار أنها الوحيدة
الكفيلة بإثبات الفساد ومعاقبة مقترفيه؛ وإلا فالخطاب سيفقد رنته
"النضالية". لكن السيد الوزير لم يتطرق للفساد الأكبر المرتبط أساسا

بالصفقات العمومية الكبرى التي تلتهم الملايير وبتدبير المقتنيات وبتوزيع
السكنيات الوظيفية دون معايير. ونتمنى صراحة أن ينجح في محاربة الفساد
بما في ذلك الساعات الإضافية والشواهد الطبية غير المبررة.

10- مقاربة تنزيل البرنامج الحكومي: لحد الآن لا يبدو أن القطاع يتوفر

على مخطط استراتيجي لتنزيل ما جاء في البرنامج الحكومي المصادق عليه من
طرف البرلمان. يقول السيد الوزير "أنه شرع في إجراء التشخيصات وتقييمات
أولية خاصة للبرنامج الاستعجالي" في حين أن الأمر يتعلق فقط باستقراء رأي
الفاعلين التربويين والشركاء من خلال استمارة وزعت على المسؤولين من أجل
معرفة انطباعاتهم لا أكثر.

أما التشخيص العلمي الدقيق فلا بوادر في الأفق تشير إلى إنجازه. ورغم أن
السيد الوزير يقول بأنه "لا يحق لأي أحد أن يجري إصلاحات في التعليم إلا
بعد مشاورات والاتفاق بين جميع المغاربة" فإنه يتخذ قرارات انفرادية مثل
ما حصل مثلا بالنسبة لتوقيف التكوين المستمر. كما أنه اتخذ قرارات تتراجع
حتى عما جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يعتبر لحد الساعة
مرجعية الإصلاح (ثانويات التميز نموذجاً). وفي الوقت الذي يقول فيه أنه
"لا يمكن بمذكرة أو قرار شفوي لوزير أن نحل مشكلة" فإنه سلك نفس النهج مع

قضايا كبرى من قبيل توقيف بيداغوجيا الإدماج وثانويات التميز...

11- استقرار المنظومة التربوية: لقد تحدث السيد الوزير كثيراً وفي

مناسبات متعددة عن رغبته في تأمين الاستقرار للمنظومة التربوية، لكن
مفهوم الاستقرار لديه يبدو أنه يحيل على دلالات متعددة.

فالاستقرار يعني لديه مرة "الكف عن القيام بتجارب وعمليات إصلاحية جديدة
والوقوف وقفة تأمل تمكن من التخطيط إلى أين نريد أن نسير" حسب تعبيره.
بيد أن المبادرات التي قام بها هي في حد ذاتها عبارة عن تجارب وعمليات
"إصلاحية"، فتوقيف العمل ببيداغوجيا الإدماج مثلاً في منتصف السنة

الدراسية ، بغض النظر عن سلبياتها أو إيجابياتها،خلق ارتباكا في وسط
الأساتذة، وقد يأتى مستقبلا بأثر عكسي على الاستقرار المنشود. كما أن
التراجع عن ثانويات التميز رغم أن المفهوم تم التأسيس له ضمن دعامات
الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يعتبر مرجعية الإصلاح، إلا إذا كان
السيد الوزير يرى عكس ذلك، قد خلف استياء واسعاً وسط التلميذات والتلاميذ
المعنيين وأوليائهم.

ومرة أخرى، يعلن السيد الوزير أن الاستقرار يعني أن "التعليم هو القطاع
الوحيد الذي لا يمكن أن يخضع إلى برامج استعجالية"، وفي الوقت ذاته يتخذ
قرارات جد استعجالية وصفها بـ"الشجاعة" بحجة أن "المنظومة التربوية لا
تحتمل التأخير أو التأجيل". وهو نفس المنطق الذي رافق إعداد البرنامج
الاستعجالي بناء على الخطاب الملكي الذي أوصى الحكومة بوضع برنامج
استعجالي لتدارك التأخير الحاصل في تحقيق أهداف الميثاق.

وتارة، يقول أن الاستقرار يعني "توقيف الإضرابات التي كان يغلي بها
القطاع" الشيء الذي يفسر رضوخ السيد الوزير لمطالب النقابات بحجة التشاور
معها وإشراكها في اتخاذ القرارات، والكل يعرف أن منطق النقابات التي
تدافع عن مصالح الشغيلة لا يكون دائماً منسجماً مع منطق الإصلاح الذي
ينبغي أن ينشد مصلحة التلميذ أولاً.

فيما يستعمل السيد الوزير تارة أخرى، كلمة الاستقرار كـ "رد على الذين
كانوا يعتقدون أن انتماءه السياسي سيدفعه إلى تقويض كل شيء"، والحال أنه
شرع فعلاً في عملية التقويض دون أن تكون معالم ما سيقوم ببنائه على أنقاض
التجربة القائمة واضحة لحد الآن، إذ أن جميع القرارات المتخذة كانت عبارة
عن إلغاءات متتالية لدعامات أساسية للإصلاح دون أن يطرح البديل.

12- المقاربة الجديدة لإصلاح التعليم: يبدو من خلال عدد من تصريحاته أن

السيد الوزير "مقتنع بأن مستوى المدرسة المغربية جيد، غير أن المغاربة
يحطمون مدرستهم". والحال أن جميع الدراسات التقويمية الدولية والدراسة
التي قامت بها الهيئة الوطنية للتقويم أجمعت على تدني مستوى التحصيل
الدراسي عند التلاميذ المغاربة، بل حتى المواطن العادي مقتنع بذلك إلى
درجة أنه مستعد لأن يدرس أبناءه في التعليم الخصوصي مع ما يتطلبه ذلك من
تضحيات مادية تفوق أحياناً طاقاته. وإذا كان السيد الوزير يبرهن على صحة
المنظومة التربوية ب"قدرة منتوج التعليم العمومي المغربي على إدماج
خريجيه في أكبر الجامعات والمعاهد الدولية" فهذا لا يعد دليلاً على جودة
المنظومة التربوية، بل على ضعف أدائها لأن السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه
هنا هو كم عدد هؤلاء ؟ وكم هي نسبتهم في العدد الإجمالي للتلاميذ؟ ،
ويكفي التذكير هنا بأن من بين 100 تلميذ يلج المدرسة المغربية في السلك
الابتدائي 13 منهم فقط يحصلون على البكالوريا. من جهة أخرى، يقترح السيد
الوزير ترك "هامش تحرك أكبر للمفتش والأستاذ لعودة روح الإبداع الذي ضاع
بالتعليمات الإدارية، وتحت وطأة المذكرات التي حولت هؤلاء إلى أدوات
منفذة فقط لأنه يريد أن يلغي عقلية التعليمات من التعليم، ويعتبرها من
أولويات الوزارة" غير أن واقع الممارسة يناقض تماما هذا التوجه.

13- المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي: غير صحيح أنه لم

يُفعّل كما يقول السيد الوزير. أما أن يكون، كما يقترح، "برلمانا مصغراً
لوزارة التربية الوطنية يقرر في تدبير الشأن التربوي" فهذا ليس من مهامه
كما ينص على ذلك الدستور لأنه هيئة استشارية وليس تقريرية.

الرباط – الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم
نقلا عن جريدة صحافة اليوم ليوم( 13-04-2012)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.