الأحد، 5 يوليو 2015

الرئيسية "مشروع الإناسة العربية الإسلامية يدشن في تونس" ""من الميسر الجاهلي إلى الزكاة الإسلامية—قراءة إناسية في نشأة الدولة الإسلامية

"مشروع الإناسة العربية الإسلامية يدشن في تونس" ""من الميسر الجاهلي إلى الزكاة الإسلامية—قراءة إناسية في نشأة الدولة الإسلامية

"مشروع الإناسة العربية الإسلامية يدشن في تونس"
""من الميسر الجاهلي إلى الزكاة الإسلامية—قراءة إناسية في نشأة الدولة الإسلامية—" للدكتور الإناسي التونسي محمد الحاج سالم
---قراءة ,عرض و تقديم/ حمزة بلحاج صالح-كاتب و باحث جزائري--
صدر عن دار المدى الإسلامي-بيروت-لبنان-2014-كتاب معتبر الحجم موسوم "من الميسر الجاهلي إلى الزكاة الإسلامية" للدكتور محمد الحاج سالم-الكتاب من 799صفحة مذيل بملاحق ثمينة متعددة لم يستثن فهرسا مفيدا يتعلق بالبحث إلا وأضافه و هي لوحدها تشكل كتابا اخر بمثابة دليل الفهم للبحث المنجز الذي جاء مجلدا نفيسا و مصدرا لكل باحث إناسي أو سوسيولوجي أو غيرهما بل جاء البحث "مشروعا" دشن به الباحث الخطاب الإناسي عربيا و مغربيا و تونسيا-(1)
من هو محمد الحاج سالم//باحث إناسي و في الحضارة و مترجم تونسي المولد و النشأة درس في كلية العلوم الإنسانية و الإجتماعية بتونس و كلية الإأداب و الفنون و الإنسانيات بمنوبة يحمل شهادات عديدة في تخصصات شتى منها العلوم السياسية و القانونية و علم إجتماع الثقافة و أهمها دكتوراه في الحضارة العربية عن الأطروحة موضوع التقديم هذا و له ترجمات عديدة لكتب منها "الهبة" ل"مارسيل ماوس" له أكثر من خمسين مقال علمي و مساهمات في ندوات علمية و هو قامة علمية تونسية و عربية ذات شهرة عند أهل العلم و الفكر-(2)
في التعريف بالمشروع/
تناول الباحث بإتقان و علمية فائقين و بتحكم إناسي ملحوظ و قدير و بمنهجية و دقة في التحليل موضوع بحثه و دراسته التي ربط فيها بين فضائين غير متقاطعين ظاهرا و متباينين لكنهما على تداخل بنيوي و تكويني في ما استخلصته من دراسة حاج سالم و هما "الفضاء الجاهلي" و "الفضاء الإسلامي" بخصوص ظاهرة إجتماعية-ثقافية-إقتصادية (مالية) هي ظاهرة "الميسر" في الجاهلية و مسار تحولها مفهوما و تقنينا و مراسا إجتماعيا إلى "الزكاة" في الإسلام-
إن الكتاب في أصله أطروحة دكتوراه بجامعة منوبة تحصل عليها الباحث بتفوق كبير ثم إتسعت بحثا و تنقيبا لتنتهي إلى هذا المنجز العلمي الثمين الذي جمع بحكم طبيعة المبحث بين الديني و التاريخي و الثقافي و السوسيولوجي مع اعتبار "السياسي" ناظما بنيويا لا ينفصل عن العمق التكويني للموضوع ونظرا للخصائص التكوينية للتراث العربي الإسلامي و قد مارس محمد الحاج سالم بحثه العميق الرصين و تنقيبه و حفره بأداء
و علمية المتخصص و موسوعية المثقف الميداني الملتزم أو "العضوي" دون أن يقحم نضاله و كفاحه الحقوقي في عمله البحثي و هو "المثقف " الذي يحتاج إليه العالم العربي الإسلامي اليوم في مخاضه و رهاناته المتعلقة بالحرية و الديمقراطية و الحداثة بناظم الهوية المرنة المتثاقفة مع الكوني و هي خصائص تميز بها في تقديري الباحث التونسي محمد الحاج سالم الذي تابعت خطاباته و كتاباته في مواطن عديدة –
في مقدمة الكتاب أو "مانفستو" المنهج"/"
تعتبر مقدمة (3) الكتاب للمؤلف مدخلا إيبيستمولوجيا و معرفيا بامتياز استبحر فيه المؤلف و أفاض و دقق النظر في محددات منهج مقاربته الإناسية معللا خياره المنهجي مستبعدا خيارات أخرى و معللا ذلك كما حدد الكاتب المرتكزات النظرية التي قامت عليها مقاربته الإنساية لموضوعي "الميسر" و "الزكاة" و ضبط قضايا المفهوم والمصطلح و هي مقدمة نفيسة شبهتها بمقدمة ابن خلدون بالنسبة لتاريخه مع فارق إلتزام حاج سالم بالضوابط المنهجية على خلاف ابن خلدون الذي كانت مقدمته كنزا منهجيا في السوسيولوجيا و التاريخ انفلت من قيودها و هو يدون تاريخه حتى يخيل لك أن ابن خلدون كتب المقدمة بعد التاريخ لقد كانت الصرامة المنهجية رفيقا و حليفا استرايتجيا للكاتب محمد الحاج سالم و هو هو يحلل و يفسر و ينبش و يحفر في الدلالات و التحولات القيمية و السلوكية الاجتماعية و وجهها السياسي في الفضاء العربي الإسلامي و تشكلاتها على أنقاض الفضاء الجاهلي فكان محمد الحاج سالم في بحثه و منجزه "منهجيا" خلدونيا ملتزما- 
قام المؤلف بنقد الدراسات السابقة لنشأة الدولة الإسلامية متمثلة في خطين رئيسيين الأول اعتبره المؤلف تقليدي غلبت عليه نزعة تفسيرية اعتقادية تغلبت فيه "التيولوجيا" على ما عداها من عوامل التاريخ و أسبابه حسب رأي المؤلف و الثاني يمثل الدراسات التاريخية و الإستشراقية التي تقوم على اعتبار التاريخ محصلة أفعال بشرية عقلانية أو "حتمية تاريخية" أو "صدفة تاريخية" و اشترط من أجل نجاح تناول موضوع هام مثل موضوع بحثه ضرورة المعرفة الدقيقة بالمجتمع العربي الجاهلي من حيث جميع بناه و مكوناته و هو ما سماه ب "الرحم الذي تولد فيه الإسلام" و كذلك معرفة دقيقة و عميقة بالبنى الإجتماعية و الإقتصادية و البيئية و العقدية التي نال منها التغير و أسباب ذلك و سرد مجموعة من الإشكالات المعرفية و فضل الباحث المنهج الإستقرائي عبر تحليل للمسار الكلي (الإسلام) عبر مسارات التغيرات الجزئية متوسلا بعلم النفس الإدراكي و نظرية الصيغة البنيوية و فضل استدعاء كل العناصر التي ساهمت في تكوين ما أسماه دولة النبي بدل اعتماد عنصر واحد و تغليبه كتغليب الديني على بقية العناصر أو الإقتصادي على غيره ثم نرى المؤلف يستخدم مصطلح "الدولة الإسلامية" لاحقا حيث اعتبر مرتكزاتها تقوم على ثلاث متغيرات"التحريم "الإقرار" و "التغيير" بموجبها تم إنشاء مؤسسات بديلة للمؤسسات الجاهلية و منها مؤسسة "الميسر" باحثا من منظور إناسي مسألة تحريم الإسلام للميسر منطلقا من البحث في عملية تدمير "مؤسسة الميسر الجاهلي" و تعويضها بمؤسسة أخرى مثل مؤسسة الصدقة و اعتبارها من المداخل التي تمكن من تناول الدولة العربية الإسلامية الأولى و قد استهدف الإسلام مؤسسة الميسر لانخراطها في منظومة عقدية شعائرية وثنية جاهلية متكاملة —كما قام المؤلف بنقد الرؤى السابقة للميسر و تحريمه و ربط هذه الرؤى بين (الميسر) و الإستقسام و الأزلام حيث تجاوز المؤلف الرؤية التقليدية و التي امتدت إلى كتابات حديثة عديدة و عاب على كتاب "هشام جعيظ" الموسوم "تاريخية الدعوة المحمدية في مكة" (4) و الذي أهمل تناول موضوع الميسر كما تعرض للتفاسير القرانية لهذه المسألة و غيرها من الإشارات النقدية (5)كما تناول المؤلف الإطار النظري العام للبحث و المصطلحات المستخدمة مثل "المجتمعات البدائية" و هي تحيلنا لأول وهلة إلى "كلود ليفيستراوش" و "المركزية الحضارية الأوروبية" مبينا مثلا بأن المجتمعات البدائية مستخدمة على غير ما هو الحال عند "كلود لوفيستراوش" بل يوظفها لتدل على المجتمعات التقليدية و ما قبل الحديثة" و هو ما ينطبق على المجتمع الجاهلي حسب المؤلف الذي لم يشهد نشوء الدولة و يمضي في تحديد الإطار النظري الناظم لبحثه مستشهدا و معتمدا و مستخدما مقولة "ميرسيا إلياد" "لا وجود لحدث ديني محض خارج نطاق التاريخ و خارج نطاق الزمان" أي خارج المجتمع معتبرا التحريم بصفته منعا هو تشريع يهدف إلى "هدم أركان عقيدة وثنية و هدم بنية إجتماعية قبلية"(6) كما وظف المؤلف مصطلح "اللقاحية" (7)مستعيرا إياه من المفكر هادي العلوي للإشارة إلى نزعة رفض الإرتهان للبشر الأحياء عند قبائل وسط الجزيرة العربية خلال الفترة السابقة مباشرة للبعثة المحمدية كما يقول المؤلف و اعتبر "اللقاحية" هي الفرضية التي يقوم عليها أساسا البحث حيث كان كل من "بيار كلاستر" و "مارسيل غوشييه" و "جورج بالاندييه" حاضرين و نواظما في مقاربة المؤلف و منهجيته التحليلية المتعددة الأدوات و قد اعتبر المؤلف مقاربته تقوم على منهجية أساسا -إناسية منفتحة – (8)
أقسام البحث الأساسية/
أربعة أبواب و في كل باب أربعة فصول حيث تناول الباب الأول" بيان حقيقة "الميسر" حيث ميزه المؤلف عن "القمار" رفعا لكل التباس و" بيان الإطار القراني" لتحريم الميسر باعتباره طقسا وثنيا أما الباب الثاني فهو "بيان للبعدين الإجتماعي و الديني للميسر" حيث أوضح المؤلف الطبيعة السحرية لهذا الطقس و المرتبط مثلا بطقس الإستثمار و الأنواء و صلته بالطقوس الجاهلية "النجومية" المرتبكة بالتنجيم على حد تعبير المؤلف و استنتاجاته و تناول الباب الثالث علاقة الميسر بعبادة القمر باعتباره إلها للجنس و علاقة النساء بالميسر و كذا علاقته بظاهرة البغاء و أخيرا الميسر "بديلا من طقس وأد البنات عند العرب"و اعتبار البعد السياسي للميسر بوصفه "إوالية مضادة لانبثاق الدولة"(9) و أن الإسلام "إنما قصد بتحريمه ضرب الجوانب الوثنية فيه لكن و بالأخص ضرب إحدى الإواليات القبلية الممانعة لانطلاق دولته نحو رحاب التوحيد السياسي للعرب"(10) ليتناول في الباب الرابع الكاتب كيف أن الميسر كان صمام أمان و ضمان يحول دون انبثاق دولة في الوسط القبلي (11)حيث انتهى إلى استخلاص أن الميسر "إوالية لا شكلية"(12) و هو موضوع الفصل الثاني من الكتاب كما تناول الفصل الثالث منه بين فيه الكاتب أن الميسر العربي باعتباره "إوالية كونية مانعة لانبثاق الدولة عرفتها جل الشعوب القديمة"(13) ليتناول في الفصل الرابع و الأخير مرة أخرى ملابسات تحريم الميسر و كيف تم تعويضه بمؤسسة الزكاة و كيف شكل ثورة جذرية و قلبا للوظيفة و الدور الذي لعبه من قبل الميسر بل نقيض الدور لتمثل مؤسسة الزكاة دعامة بدل مانعا للدولة الإسلامية الناشئة -
الخلاصة/
بعد هذه القراءة العرضية السريعة استخلصت كقارىء متفحص لنص و منجز محمد الحاج سالم الهام و النفيس ما يلي 
1--"الميسر" مؤسسة جاهلية لتفتيت المال و تمكين الفقراء و المعدومين من الإستفادة منه تفتيتا يكاد يعدم المال و يجعله ينقرض تقابله "الزكاة" مؤسسة إسلامية تفتت المال بما لا يجعله ينقرض بل ينمو و لا يحرم نفس الشرائح التي كانت تستفيد من مال الأغنياء عبر مؤسسة "الميسر"لجاهلية--
2--"الميسر" مؤسسة مانعة لانبثاق الدولة و كيانها المؤسساتي تقابله "الزكاة" مؤسسة داعمة تسند نشوء الدولة و كينونتها حيث خصصت لها "الدولة الإسلامية" صندوقا و اعتبرت من الركائز المالية و الإقتصادية--
3--"الميسر" مؤسسة ارتبطت بالوثنية و طقوسها الشعائرية و الإسلام جاء نقضا و هدما لتلك الأبنية العقدية و الشعائرية الوثنية و هو ما يمثل في تقديري اهتمام الكاتب به في وجهه السياسي و العقدي و الإجتماعي على أساس من التجاوز و الهدم و النقض و الإستبدال الجذري بمؤسسة "الزكاة" الإسلامية--
هكذا جاء بحث الدكتور محمد الحاج سالم إضافة و تأسيسا إناسيا منح للسيرورة التاريخية العربية و الإسلامية التي عبرت بالمجتمع الجاهلي نحو الإسلام و تمثلاته و تطبيقاته معنى عميقا و مغايرا و مختلفا عبر انزياح دلالي و مفهومي و عملي لمؤسستي "الميسر" الجاهلي و "الزكاة" الإسلامية و مدى ارتباطهما بمؤسسة الدولة وجودا و عدما و من ثمة لم يكن البحث تكرارا بل اختلافا و لم يكن تلفيقا بل تأسيسا و لم يكن تقليدا بل إبداعا و لم يكن ماضوية بل حداثة عربية أصيلة و لم يكن اغترابا بل أصالة متبصرة بالمعنى تحكمت في علم الأنثربولوجيا السياسية تثاقفا و استخداما علميا داخل فضائين التراث الجاهلي و الإسلامي و منحت للرمز و التاريخ و الفعل و الحراك محمولات دلالية عميقة و هامة و استراتيجية خاصة ما يتعلق بموضوع نشأة الدولة الإسلامية الأولى--
إحالات/
1) كتاب " من الميسر الجاهلي إلى الزكاة الإسلامية-قراءة إناسية في نشأة الدولة الإسلامية الأولى"--د محمد الحاج سالم- -دار المدار الإسلامي--2014-الطبعة الأولى-
(2) ترجمة المؤلف مستخلصة من ترجمة مدونة على غلاف الكتاب المذكور أعلاه للمؤلف--
(3)مقدمة الكتاب للمؤلف -أنظر الكتاب المذكور موضوع التقديم من ص 3 إلى65
(4) ص-32-من الكتاب
(5) أنظر الفقرتين من مقدمة الكتاب بعنوان "نقد الدراسات السابقة لمسألة نشأة الدولة الإسلامية" (من ص 16 إلى ص22) و الفقرة "نقد الرؤى السابقة للميسر و مسألة تحريمه" ( من ص 29إلى ص42)-
(6)ص47 النقطتان 1و2-
(7)ص53 الفقرة 6-
(8) ص59 الفقرة 7-
(9) و (10) و (11) و (12) (13) ص-65-



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.