الانتخابات والفساد الجماعي أي واقع وأية آفاق؟.....4
محمد الحنفي
ضرورة التخلص من الفساد الجماعي:
3) وجماعاتنا الترابية، تحتضن ثلاثة أنواع من الفساد:
أ ـ الفساد الانتخابي، الذي يجري فيه عرض الضمائر الانتخابية للبيع، من قبل
الناخبين، ليشتري تجار الضمائر الانتخابية، تلك الضمائر، من أجل إعادة بيعها
للمرشحين، من أجل الوصول إلى عضوية المجلس، ليعرض الناخبون الكبار ضمائرهم، لمن
يحرص على الوصول إلى رئاسة المجلس.
ب ـ فساد المجلس الجماعي الترابي، الذي جاء نتيجة للفساد الانتخابي، والذي
لا يهتم أعضاؤه إلا بمصالحهم الخاصة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية،
والسياسية، سعيا إلى جعل المجلس الجماعي الترابي، مجرد بقرة حلوب، لا يجلبها إلا
عامة الناخبين الفاسدين، ولا يستفيد من حليبها إلا الأعضاء الجماعيون، ولا اعتبار،
لا لسكان الجماعة، الذين انتخبوهم، ولا للمتعاملين مع الجماعة، من خارج الجماعة.
ج ـ فساد الإدارة الجماعية، التي يتفشى فيها الإرشاء، والارتشاء، في مختلف
الأقسام، والمصالح الإدارية، للجماعة الترابية.
وهذا النوع من الفساد، لا يمكن أن يتم، إلا بعلم جميع الأعضاء الجماعيين،
الذين يقومون بدور الوسطاء، في عملية الإرشاء، والارتشاء، الذي لا يكون إلا سمينا.
ومما يعبر عن الحالة المادية، التي يوجد عليها العاملون، في مختلف الأقسام، وفي
مختلف المصالح القائمة، في كل جماعة ترابية، مما لا يتناسب، أبدا، حتى مع الدخل
اللازم للأسرة.
وللتخلص من الفساد الإداري، في الجماعات الترابية، على الدولة المغربية، أن
تعتمد لجانا شعبية، من الأحزاب، ومن الجمعيات الحقوقية، والتربوية، والنقابات،
بالإضافة إلى ممثل السلطة، تكون مهمتها: تتبع العمل الجماعي، ورصد مختلف الخروقات،
في مختلف الأقسام، والمصالح، وفي ما بين مختلف الأعضاء، بمن فيهم الرئيس، الذي يعد
مصدر كل أشكال الفساد، التي تعرفها كل جماعة، وكل من ثبت في حقه خرق معين، يعد له
محضر، ويسلم إلى الشرطة القضائية، التي تحقق معه في الموضوع، ويحال على الجهاز القضائي،
الذي يقول كلمته فيه. وكل من صدر في حقه حكم قضائي، يمنع من تمثيل السكان، في إطار
الجماعات الترابية. ويمكن أن يلحق بوزارة الداخلية.
ومعلوم، كذلك، أن جماعاتنا الترابية، التي تحتضن هذه الأنواع الثلاثة من
الفساد، ولا تقوم بمراجعة نفسها، حتى لا تستمر في إنتاج الفساد. وهذه المراجعة،
تقتضي:
ا ـ وضع حد للفساد الانتخابي، الذي لا ينتج لنا إلا جماعات ترابية فاسدة،
عن طريق تجريم عرض الضمائر الانتخابية للبيع، على رصيف الانتخابات، وتجريم الاتجار
فيها، أو السمسرة فيها، وتجريم شرائها من قبل المرشحين في الانتخابات، حتى تتخلص
الانتخابات المباشرة، من كل الأمراض التي تنتج لنا جماعات ترابية مريضة، وفاسدة،
وحتى نسعى إلى جعل الوسيلة الجماعية الوحيدة، للحملات الانتخابية الجماعية، هي
البرنامج الانتخابي الحزبي.
ب ـ وضع حد للفساد الجماعي، الذي يمارسه الأعضاء الجماعيون، كل على حدة،
الذين يقومون بدور الوساطة، بين الراشي، والمرتشي، الذي يعتبر عضوا في مكتب
المجلس، أو رئيسا للمجلس الجماعي الترابي: الحضري، أو القروي، الذي يتحمل مسؤولية
ما عليه المجلس الحضري، أو القروي، من فساد، يجب أن يرفضه سكان الجماعة، أو من لهم
علاقة بالجماعة، من خارج الجماعة، نظرا لكون الأعضاء، أصبحوا لا يهتمون إلا
بشؤونهم الخاصة، بدل الاهتمام بمصالح المواطنين.
ج ـ وضع حد لفساد الإدارة الجماعية، التي نرى ضرورة إخضاعها للمراقبة
الدقيقة، من أجل فرض التزام العاملين في مختلف الأقسام، والمصالح، القيام بالمهام الموكولة
إليهم، كما حددها القانون، والتعامل مع المواطنين، على أساس المساواة فيما بينهم،
حتى يطمئن السكان على مستقبل الجماعة، التي يسكنون فيها، ومن أجل أن يطمئن
المتعاملون مع المجلس الجماعي، من خارج الجماعة، على علاقتهم بالجماعة، اقتصاديا،
واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
وعندما تقوم السلطات الوصية، بوضع حد للفساد الانتخابي، وفساد أعضاء المجلس
الجماعي الترابي، وفساد الإدارة الجماعية، سوف تصبح الجماعة الترابية، أي جماعة
ترابية، في خدمة السكان، على أساس المساواة فيما بينهم، دون إرشاء، أو ارتشاء،
ودون محسوبية، أو زبونية، ودون وصولية، أو انتهازية، وفي خدمة الوافدين على
الجماعة، من خارج الجماعة، إلى درجة أن الأعضاء، الذين يفترض فيهم أن لا يحضروا
إلى الجماعة، إلا إذا استدعاهم الرئيس إلى مكتبه، من أجل التشاور معهم، أو إلى
اجتماع مسؤول، لاتخاذ قرار معين، اقتضته شروط التطور، أو التوسع في المشاريع
الرئيسية، على مستوى الجماعة، وعلى مستوى محيط الجماعة الإقليمي، والجهوي،
والوطني، وفي إطار الشراكة مع الجماعات الترابية الأخرى.
وعندما تنجز السلطات الوصية مهامها، تجاه محاربة الفساد الانتخابي، وممارسة
الأعضاء الجماعيين للفساد، وفساد الإدارة الجماعية، فإن الجماعات الترابية، تأخذ
طريقها، في اتجاه التخلص من كل أشكال الفساد، التي لها علاقة بالانتخابات، وبالسير
العادي للمجلس الجماعي، وبالإدارة الجماعية، التي تكون قد عملت على تحصين نفسها،
ضد الفساد الانتخابي، ولممارسة الأعضاء للفساد، ولفساد الإدارة الجماعية، التي
تصير في خدمة سكان الجماعة، والذين لهم علاقة مع الجماعة، من خارج تراب الجماعة،
من أجل أن تصير صورة الجماعة مشرفة، محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، لتصير جاذبة
للمشاريع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ولتصير تلك المشاريع،
وسيلة لإعطاء صورة مشرفة للجماعة، على المستوى الوطني، والعالمي، مما يجعلها تزداد
جذبا للمستثمرين وطنيا، ودوليا، خاصة، إذا عملت الجماعة الترابية، على إيجاد بنيات
تحتية، تساعد على إيجاد المشاريع الضرورية، التي تهدف إلى الرفع من مكانة الجماعة،
واجتماع مجلس الجماعة، وثقافة الجماعة، والعمل السياسي في الجماعة.
وكيفما كان الأمر، فالجماعات الترابية القائمة على أسس فاسدة، لا يمكن أن
تتواجد، إلا في دولة فاسدة، ذات حكومة فاسدة، وسلطات محلية فاسدة، مما يترتب عنه:
أن البلاد كلها، تصير مفرخة للفساد، ومن أول ذرة تراب، إلى آخر ذرة تراب، في هذه
البلاد.
ومعلوم أن الجماعات الترابية، هي جماعات منتجة للفساد اليومي، في العلاقة
مع الوافدين عليها، من سكان الجماعة الترابية، وممن تربطهم علاقة معينة بالجماعات
الترابية، من خارج الجماعة الترابية القائمة.
وإنتاج الفساد اليومي، أصبح من سمات الجماعات الترابية. وتربية سكان أي
جماعة، على قبول الفساد، الذي تنتجه الجماعة الترابية، أصبحت من المهام الموكولة
إلى أي جماعة، خاصة، وأن العاملين في أي جماعة، يعتبرون من ذوي الدخل المحدود،
جدا، لأنهم ليسوا من الأطر المتوسطة، أو العليا، ومع ذلك، نجدهم من كبار الأثرياء،
وبدون حياء، لا من السكان، ولا من المسؤولين عن الجماعة. نجدهم يسكنون دورا، أو
فلات، أو قصورا، تقدر قيمتها بمئات الملايين، إن لم نقل بعشرات الملايير، وقد
نجدهم يملكون عددا من الدور الأخرى، التي تدر عليهم مئات الآلاف، والمعتبرة مخصصة
للكراء، بالإضافة إلى عقارات، في الوسط القروي؛ لأن ما يتسلمه من إرشاء، وارتشاء،
أثناء تقديم الخدمات، إلى سكان الجماعة، وإلى الوافدين عليها، من خارج الجماعة،
يقدر بعشرات الآلاف من الدراهم يوميا، أقلها ألف درهم، وهو ما يعني أن الموظف
البسيط، الذي لا يتسلم ممن تلقى خدمة، إلا قدرا بسيطا، قد يصير مدخوله اليومي 1000
درهم، أو أكثر، وهو ما يعني: أن مدخولة الشهري 22 ألف درهم، وهو ما يعني أن كل
عامل يحرر من الإرشاء، والارتشاء، وبدون أجرته التي يتقاضاها، والتي قد لا تصل إلى
الحد الأدنى من الأجور، أن محصولهم السنوي، ما يفوق 240 ألف درهم، ليصير بإمكانه
أن يحصل على سكن فاخر، ووسائل نقل فاخرة، وتدريسا خصوصيا للأولاد، يجعلهم في طليعة
التلاميذ، على مستوى استيعاب المقررات.
ونحن عندما نطرح أوجه فساد الجماعات الترابية، فلأن هذه الأوجه من الفساد،
التي تتبعها الجماعات الترابية، صار يتضرر منها كل أفراد المجتمع، وعلى جميع
المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. فكأن الفساد صار هو
المكون الأساسي لجماعاتنا الترابية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق