الجمعة، 15 يونيو 2012

الرئيسية سميرة القادري : رحلة فن عبر التاريخ و الموسيقى و القيم

سميرة القادري : رحلة فن عبر التاريخ و الموسيقى و القيم




سميرة القادري : رحلة فن عبر التاريخ و الموسيقى و القيم

يستهويها التراث ، فتغوص في الماضي الموريسكي، تنعم ببقايا حضارات المتوسط، و منها تنسج الحكايات و القصص الأسطورية، بلغات متعددة و قديمة، لكن بألحان و موسيقى عصرية و حديثة، هكذا هي فنانة السوبرانو المغربية سميرة القادري، صاحبة الصوت الناعم و الدافئ، في أماسي غرناطة وقرطبة، و أماسي تطوان الباردة، تبعث دفئا خاصة يعبر مسامع عشاق الفن الأصيل و يسري في دواخلهم ، فيسمح لهم بالسمو و الترفع عن الواقع البسيط السطحي، و ينزل بالمستمع منزلة لا تضاهى، سميرة القادري معروفة  بتفردها في هذا اللون الموسيقي  و بتألقها الدائم الذي مكنها من تبوء مكانة خاصة في الساحة العربية و المتوسطية.

تخرجت سميرة القادري من المعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي بالرباط التابع لوزارة الثقافة سنة 1991 في دفعة تميزت بمبدعين كثر في شتى المجالات الفنية من غناء ، رقص و مسرح ، لتلتحق بعدها بالمعهد الوطني للموسيقى و الرقص سنة 1995  و تدرس به فن العزف على البيانو، و مواد الصولفيج و الهارمونيا مستفيدة من خبرة أستاذها مصطفى عائشة الرحماني، لتتعمق بعدها أكثر في تعلم الغناء الأوبرالي الليريك و البحث فيه، و هي التي تقر أن دخولها لهذا المجال و احترافها السوبرانو كان حلما بعيد المنال، فلم يكون الغناء بالنسبة لها سوى سند وظيفي فوق خشبة المسرح، لكن بعزيمة الشباب و المثابرة و الكد استطعت أن تضع لنفسها خارطة طريق  فنية  دقيقة و مرموقة.

تجربة التأصيل لذوق غنائي راقي لا يمتز بشعبية كبيرة، ذوق نخبوي لدرجات قصوى، لم تكون تجربة سهلة بالنسبة للفنانة سميرة القادري، التي رأت أن طريق الإبداع النوعي لن يكون سهلا و مفروشا بالورود، و بفضل الثقة في النفس و الطموح و السند الأسري و التأطير الجيد من لدن أساتذتها في الموسيقى تمكنت من تجاوز تلك الصعوبات، مقدمة طبقا موسيقيا يمتز بتعدد الثقافات و الحضارات بين المتوسطية و العربية الإسلامية، الأفريقية ثم البربرية ، الشيء الذي جعلها تستولي على عقول و أذواق عشاق الموسيقى الموغلة في التاريخ و العمق الحضاري و الأكثر حمولة ثقافية.

سميرة القادري لم تنسق بصوتها الجميل وراء موجات الشهرة السريعة التي تعتبرها شيء مبتذلا ينفي عن الفن قيمته الجمالية، مفضلة البحث عن جمهور خاص يشاركها تلك الرغبة في معانقة قيم كونية  سامية، في مقاطعها المتعددة التي إشتغلت في بعضها على أشعار معروفة لشعراء أمثال سعيد عقل وخليل فاخور ومحمد الاشعري وخازن عبود وجبران خليل جبران وامل دنقل وابن الفارض وابن العربي وربندرنات طاغور وغارسيا لوركا، كانت سميرة القادري تتجه نحو الكشف عن عمق تجارب إنسانية متعددة لا يمكن أن تترك عرضة للإهمال و لا يمكن أن تبتذل و تتعرض للتشيئ بأي حال من الأحوال.

سميرة القادري المحبوبة لدى الشباب عبر العالم و بتطوان مقر عملها الحالي، بأخلاقها السامية و حبها للفضيلة، لا تفتأ تقدم لهم يد العون و المساعدة الدائمة، كما أنها تسعى عبر محطات عديدة إلى أن تكون ذاك الوسيط الإيجابي لإنجاح أي تجربة ثقافية فنية بمدينة تطوان، فهي تلك الفنانة الأم التي تنصت لتجارب الناس و تشاركهم حلاوتها و مرارتها، تنتقل بين شباب الوطن مستمعتا لأحلامهم و طموحاتهم المشروعة، تدرك أن الاستماع لهم جزء من الدعم إن لم يكون هو الدعم الكامل في بلد و في عصر غابت فيه ثقافة الإنصات للآخر و الحوار، و سادت لعبة الكيل بمكيالين.

سميرة القادري فنانة السوبرانو تشكل اليوم علامة فارقة في خارطة الفن المغربي و العربي، بجولاتها الفنية عبر العالم تعطي انطباعا بثقافة مغربية قادمة بقوة تنحت لنفسها مكانا في هذا الوجود، إن كانت سميرة قادمة من أبي جعد و هي سليلة الزاوية الشرقاوية، فإن قدر تطوان هو أن يكون مستقر الفنانة الكبيرة بها، مانحة بذلك لتطوان طابع التميز الموسيقي الذي أسسه بها فنانون كبار أمثال عبد الصادق شقارة، محمد العربي التمسماني، محمد أمين الأكرامي و آخرون.
مصطفى العوزي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.