الأربعاء، 27 يونيو 2012

الرئيسية الحمداوي: "الدعارة" نتيجة حَتْمية لضعف القِيَم المَعْنَوية على حِساب المادية

الحمداوي: "الدعارة" نتيجة حَتْمية لضعف القِيَم المَعْنَوية على حِساب المادية




الحمداوي: "الدعارة" نتيجة حَتْمية لضعف القِيَم المَعْنَوية على حِساب المادية

هسبريس - ماجدة أيت لكتاوي
الثلاثاء 26 يونيو 2012 - 11:18
قال ابراهيم الحمداوي أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، إن المجتمع المغربي يَشْهد ككثير من مجتمعات العالم. سُلوكات منحرفة اتخذت صِيَغا حداثية جديدة تماشيا مع طبيعة السياق السوسيو-اقتصادي والثقافي السائد في المجتمع، على اعتبار أن ملامح الظواهر الاجتماعية وتغيراتها هي بمثابة انعكاس للتغيرات المجتمعية.

واعتبر الأستاذ بجامعة عبد المالك السعدي في حوار مع "هسبريس"، أن الدعارة جريمة يُعاقَب عليها بِحسب ما ينص عليه القانون الجنائي المغربي. مما يستدعي تسليط الضوء على هذه الظاهرة بالدراسة والتقصي من أجل محاولة تفسيرها وفهم أبعادها وصيرورتها وفق التغيرات التي تفرضُها الساحة الاجتماعية، وكذا بُغْية فهم أشكالها والوقوف على مُسَبّباتها والعوامل الكامنة وراء ارتكابها، وآثارها على الفرد والمجتمع...

س: إلى ماذا يمكن إرجاء انتشار ظاهرة الدعارة بالمغرب؟

ج: يمكن القول بأن الدعارة أو الانحراف السلوكي الجنسي بشكل عام يوجد في كل المجتمعات، غير أن وتيرتها ارتفعت في السنين القليلة الأخيرة وتنوعت أساليبها بتنوع أوساط الإقامة، وبتباين الأنظمة الاجتماعية وأحوال الأفراد المعيشية.

فالانحراف الجنسي مشكلة تواجه الإنسانية جمعاء والمجتمع المغربي خصوصا، والكثير من علماء الاجتماع يُرجعون الإغراق الجنسي إلى الظروف الاجتماعية، والانحراف الجنسي يكون تابعا لها. وبما أن المجتمع في تَغَيّر سريع ومستمر فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على السلوك الاجتماعي للأفراد من الجنسين ذكورا وإناثا.

س: كلما أثير موضوع الدعارة إلا وقفزت صورة المرأة إلى الذهن، بالرغم من أن الظاهرة مشتركة بين الجنسين. فإلى ماذا يرد الأمر؟

ج: نحن نعيش في مجتمع لا يزال ذُكُوريا. وارتباطا بموضوع المرأة، فبالرغم مما حققه المغرب من قوانين تصب لصالح المرأة والأسرة والطفل خلال العقود الأخيرة، فإن سياسة الانفتاح وإدماج المرأة في التنمية وتبني سياسة عمومية تضع المرأة في صلب اهتمامات الدولة والمجتمع، وإشراكها في صنع القرار وإعطائها مكانة متقدمة، لم تحجب عنا العديد من النقائص التي لا زالت تشكل عقبة ومشكلة اجتماعية حقيقية ومنها الدعارة.

س: هل نفهم من كلامك أن تحرر المرأة كان سببا وراء انحرافها؟

ج: لا ينبغي الفهم بأن تحرر المرأة يفسر انحرافها. وإلا لكانت كل النساء المتحررات والعاملات والمتعلمات اليوم "مُنْحلات". لا بل على العكس من ذلك.

س: إذن فما هي المسببات الحقيقية وراء انتشار ظاهرة الدعارة والانحراف؟

ج: أعتقد أن التغيير الذي مس القيم الاجتماعية داخل المجتمع، بإعطاء الأهمية القُصوى للقيم المادية على حساب القيم المعنوية، كالنجاح وتحسين نمط العيش ووسائل التقويم الذاتي جعل من مجموعة من الظواهر أمورا عادية، مثل عبادة المال والعنف والمتاجرة بالجنس. فالتغيرات الاجتماعية التي شهدها المجتمع المغربي عَرَّضت البناء الاجتماعي لتغيرات مفاجئة تسببت في إحداث خلل في القواعد المُنَظِّمة للسلوك. وهو ما فتح الباب أمام مظاهر سلوكية جديدة تختلف عن المألوف، ولا تتوافق مع القيم والعادات والتقاليد السائدة.

س: أين هو الدور الريادي للأسرة هنا؟ أم أن غيابها من بين المسببات؟

ج: إن عجز الأسرة عن القيام بوظائفها الأساسية في التنشئة، وعدم قدرتها على استيعاب تطورات العالم والعصر، وقلة الإمكانيات المادية المواكبة للطموحات الكبيرة للأبناء، جعلت القيم المادية تطفو إلى السطح مسببة بذلك اختلالا في مقاييس التقييم، إذ أصبح الفرد يُقاس على حساب ممتلكاته أو رصيده البنكي وملبسه وهو أساس مادي محض، هذه الأمور جعلت أخلاقيات العمل والعمل المُنْتج غير ذي جدوى وحل محله الاغتناء السريع بأية وسيلة وأسْهلها بغض النظر عن طبيعة العمل أو تِيمته.

س: كثر الحديث مؤخرا عن دعارة الطالبات بالأحياء الجامعية، فما هي أسباب توجه فتيات يملكن قدرا من الوعي والثقافة إلى سلوك هذه الطريق؟

ج: إن دعارة الأحياء الجامعية ناتجة عن ضعف المنظومة القِيمِيَّة داخل الفرد والمجتمع، مع انعدام الوازع الديني، نتيجة تراجع أدوار المؤسسات الاجتماعية التربوية الرسمية منها وغير الرسمية، فتراخي الروابط الاجتماعية والأسرية، وتَدَاعي المُثُل والقِيَم ...ساهمت بشكل كبير في إسقاط الفرد في دوامة الضياع والفراغ والبؤس والإحباط. إضافة إلى أن الاستفزاز والإغراء الاستهلاكي، وتواجد ما يسمى ب"الفرصة السانحة" المتمثلة في نظر الشابات في سيارات فارهة، واستعداد أصحابها للإنفاق بإسراف وإغداق الطالبات بالهدايا باهضة الثمن، وارتياد مطاعم ومقاهي راقية، ووجود شبكات منظمة لاصطياد وإغراء الفتيات لامتهان الدعارة. من بين أهم أسباب الانحلال الأخلاقي للطالبات الجامعيات.

ويمكن تفسير توجه بعض الطالبات إلى الدعارة إلى الظروف الخاصة التي تعيشها القاطنات بالأحياء الجامعية، سواء على المستوى الاجتماعي أو المادي أو النفسي أو الجسدي. التي تكاد تكون المسؤولة الحقيقية عن الدوافع التي تقود إلى الانحراف الجنسي.

زد على ذلك أن الشابة الجامعية اليوم استطاعت تجاوز أفكار الشابة التقليدية التي كانت تعيد إنتاج نفس القوالب الذِّهْنية والاجتماعية داخل المجتمع. لأن ظروف وطموح الطالبة الجامعية اليوم، فرضت عليها تأجيل تاريخ زواجها، وهو التأجيل الذي لم يلغ معه رغبتها الجنسية

س:ما هي في نظركم الحلول الجذرية لهذه الإشكالية المجتمعية؟

ج: في اعتقادي أنه لا بد من بذل جهود وقائية لمنع تكوين شخصية منحرفة جنسيا منذ الطفولة، عن طريق الإهتمام بالناشئة والتربية السليمة، إضافة إلى تحقيق العدل الاجتماعي وتوفير ظروف العيش الكريم الذي هو من مسؤوليات الدولة تجاه أبنائها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.