الاثنين، 14 يناير 2013

الرئيسية الحزب و النقابة أية علاقة؟ وأية آفاق؟.....

الحزب و النقابة أية علاقة؟ وأية آفاق؟.....


الحزب / النقابة أية  علاقة؟ وأية آفاق؟.....

محمد الحنفي




إلى:

كل حزبي يحرص على احترام المبادئ، والضوابط النقابية.

كل نقابي يلتزم بالمبادئ، والضوابط النقابية.

من أجل علاقة مبدئية بين الحزب، والنقابة.

من أجل نقابة تحترم فيها المبادئ، والضوابط النقابية.

محمد الحنفي

تقديم:

تعتبر العلاقة بين الحزب، والنقابة، من الإشكاليات الكبرى التي لا زالت تبحث لها عن مقاربة مقنعة، تجعل المتتبع يعتبر تلك المقاربة صالحة، مما يجعل الحزب ينهج، في ممارسته اليومية، تجاه النقابة، نهجا سليما، يحترم النقابة، ولا يوجهها، ولا يعمل على التأثير فيها، ولا يسعى إلى جعلها جزءا لا يتجزأ من الحزب، لا يعاديها، لقيامها بالفصل النهائي، بين النضال النقابي، والنضال الحزبي.

وهذه المقاربة المقنعة، تكاد تكون غير قائمة في الواقع، على مستوى النظرية، وعلى مستوى الممارسة، لكون معظم الأحزاب، لا تحترم المبادئ النقابية، وخاصة: مبدأ الاستقلالية، سعيا منها إلى جعل النقابة تابعة للحزب، أو حزبية، أو مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، إن لم تكن النقابة مستعصية على جميع الأحزاب، بسبب بيروقراطيتها، الضاربة في عمق التنظيم، ومنذ أن حصل ما حصل مع الشهيد عمر بن جلون سنة 1962.

ونظرا لكون الإشكالية لا زالت قائمة حتى الآن، ونظرا لكون جميع المقاربات التي قدمت حتى الآن، لم ترق إلى مستوى جعل إشكالية العلاقة بين الحزب، والنقابة، تتراجع إلى الوراء، في أفق ضمورها، واختفائها إلى الأبد، فإننا سنتناول، في هذا الإطار، موضوع:

) الحزب / النقابة: أية علاقة؟ وأية آفاق؟(.

وسنتناول من خلال معالجتنا لهذا الموضوع:

1 ـ مفهوم الحزب.

2 ـ مفهوم النقابة.

3 ـ علاقة الحزب بالنقابة باعتبارها:

ا  ـ علاقة مبدئية.

ب ـ علاقة تبعية.

ج ـ علاقة حزبية.

د ـ علاقة اعتبار النقابة مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين.

ه ـ انعدام العلاقة بسبب الممارسة البيروقراطية.

4 ـ واقع النقابة:

ا ـ على مستوى الممارسة المبدئية.

ب ـ على مستوى تبعية النقابة.

ج ـ على مستوى حزبية النقابة.

د ـ على مستوى جعل النقابة مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين.

ه ـ على مستوى بيروقراطية النقابة.

5 ـ آفاق النقابة:

ا ـ الأفق المبدئي.

ب ـ أفق تكريس تبعية النقابة.

ج ـ أفق تكريس حزبية النقابة.

د ـ أفق تكريس الإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين.

ه ـ أفق تكريس الممارسة البيروقراطية.

6 ـ خلاصة عامة.

وفي مقاربتنا للموضوع المشار إليه، بعناصره المذكورة، سنحاول مقاربة الإشكالية النقابية في المغرب، وسنعمل على بسطها، وباللغة الواضحة، التي لا تحتمل التأويل، حتى نعمل على جعل كافة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يحددون:

ما هي النقابة التي ينخرطون فيها؟

وهل هذه النقابة قامت على مبادئ معينة؟

أم أنها مجرد نقابة تابعة لجهة معينة؟

أم أنها نقابة حزبية؟

أم أنها نقابة بيروقراطية؟

ذلك أن النقابة القائمة على أساس احترام مبادئ العمل النقابي، لا يمكن أن تكون إلا نقابة جاذبة للعاملات، والعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والنقابة التابعة تكون موجهة، بما يخدم مصالح الجهة الموجهة، والنقابة الحزبية، لا تمارس إلا ما يقرره الحزب، الذي يقف وراء وجود نقابة حزبية.

 والنقابة البيروقراطية، لا تخدم إلا مصالح الأجهزة البيروقراطية.

أما النقابة التي تعتبر مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، فإنها تستغل من قبل القيادة النقابية لأجل ذلك.

وفي أفق مقاربتنا، التي لا يمكن أن تكون إلا واضحة، ووافية، والتي نرجو أن تصير مفيدة للنقابيات، والنقابيين، والعاملات، والعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وكل المتتبعين، والمهتمين بالشأن النقابي، نتساءل:

ـ لماذا يعرف المغرب العمل النقابي التحريفي، منذ تأسيس الاتحاد المغربي للشغل؟

ـ لماذا لم يجد العمل التصحيحي، الذي يعرفه العمل النقابي، خلال سنوات استقلال المغرب، استجابة له؟

ـ لماذا لم يعد يجد العمل التصحيحي، من داخل النقابات التحريفية؟

ـ هل لكون النقابات التحريفية، تكتسب مناعة ضد التحريف؟

ـ هل لكون المصححين أنفسهم، يجنحون إلى التحريف، بعد إنشائهم لنقابة جديدة، يدعون أنها منتجة للعمل النقابي الصحيح؟

ـ لماذا تلجأ الأحزاب السياسية، ومنها الرجعية، والمؤدلجة للدين الإسلامي، إلى إنشاء نقابات تابعة لها؟

ـ لماذا تقبل الدولة بنقابات تنشئها أحزاب رجعية، أو مؤدلجة للدين الإسلامي؟

ـ لماذا تعمل، باستمرار، على شرذمة العمل النقابي؟

ـ هل من الممكن بناء نقابة على أساس مبادئ معينة، تصير منتجة للعمل النقابي النضالي، والكفاحي، والصحيح؟

وتساؤلاتنا التي طرحناها أعلاه، تصير غايتنا من طرحها، قبل تناول الأجوبة عليها، في نهاية الموضوع، هي المزيد من الإقناع، والوضوح، فيما نذهب إليه، سعيا إلى الاقتناع بضرورة العمل على بناء نقابة، على أساس الاقتناع بمبادئ العمل النقابي الصحيح، حتى تستطيع أن تمارس قيادة النضال النقابي / الكفاحي، وبقدرة عالية، على تحقيق الوحدة النضالية، والكفاحية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

فهل نوفق في تناولنا للموضوع المذكور؟

أم أننا لا زلنا لم ندرك بعد، الميكانزمات المتحكمة في العمل النقابي، حتى نستطيع تفكيكها؟

مفهوم الحزب:

إننا عندما نتكلم عن العلاقة بين الحزب، والنقابة، لا بد أن نحدد:

ماذا نريد بالحزب أولا؟

وماذا نريد بالنقابة ثانيا؟

وما هي العلاقة القائمة بين الحزب، والنقابة؟

ولكن قبل ذلك، لا بد من العمل على تحديد مفهوم الحزب.

فالحزب، أي حزب، وكيفما كان هذا الحزب، سواء كان يمينيا، أو وسطيا، أو يساريا، هو تنظيم سياسي، قائم على أساس الاقتناع بأيديولوجية معينة، معبرة عن مصالح طبقية معينة، حتى يستطيع التعبير السياسي عن تلك المصالح، من خلال المواقف التي يتخذها الحزب، من مختلف القضايا: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل تعبئة الجماهير حول تلك المواقف، والعمل على أجرأتها على أرض الواقع، من جل تحقيق الأهداف الحزبية، المتمثلة، بالخصوص، في وصول الحزب إلى الحكم.

والحزب، أي حزب، وكيفما كان، لا بد له من أسس ثلاثة يقوم عليها، ليتحقق وجوده على أرض الواقع:

الأساس الأيديولوجي، الذي يعتبر شرطا لوجود الحزب، ولاتخاذ المواقف السياسية المتناسبة مع الأيديولوجية، باعتبارها تعبيرا عن المصالح الطبقية، التي يخدمها الحزب.

والأساس الأيديولوجي يختلف من حزب إلى آخر، بعدد الأحزاب، التي تخدم مصالح العديد من الطبقات المتصارعة في المجتمع، من أجل الوصول إلى السلطة. فالحزب الخادم لمصالح الطبقة الإقطاعية له أيديولوجيته، والحزب الخادم لمصالح الطبقة البورجوازية له أيديولوجيته، والحزب الخادم لمصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، له أيديولوجيته.

وتعدد الأيديولوجيات، يقوم بالضرورة على أساس تعدد الطبقات في المجتمع. وهذا التعدد، هو، بالضرورة، أساس لقيام الصراع الأيديولوجي بين الطبقات، من أجل الوصول إلى تسييد أيديولوجية معينة، حتى تصير مؤثرة في غالبية جميع أفراد المجتمع، حتى يصيروا في خدمة حزبها، باعتبارهم مطية للوصول إلى السلطة.

ومعظم الأيديولوجيات المتصارعة في المجتمع، هي أيديولوجيات مضللة، إلا أيديولوجية حزب الطبقة العاملة، القائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، هي وحدها الأيديولوجية التي تخدم مصالح جميع أفراد المجتمع، عندما تختفي منه الطبقات، ويصير مجتمعا اشتراكيا، تحكمه دولة اشتراكية.

وتجب الإشارة هنا، إلى أن البورجوازية الصغرى، أو الفئات ذات الطبيعة البورجوازية الصغرى، تقتنع ثارة بأيديولوجية الإقطاع، وأخرى بأيديولوجية البورجوازية، وأخرى بأيديولوجية الطبقة العاملة، إن لم تؤلف أيديولوجيتها من مجموع الأيديولوجيات القائمة في المجتمع، أو تعمل على أدلجة الدين، بما في ذلك أدلجة الدين الإسلامي، التي صارت موضة العصر، واكتسحت مجموع بلدان المسلمين، حيث صارت الأيديولوجية المعتمدة من قبل شرائح عريضة من البورجوازية الصغرى،  وجميع الأجراء، الحاملين لعقلية البورجوازية الصغرى، الذين صاروا يصلون إلى الحكم على هذا الأساس، كما يحصل في العديد من البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين.

والأساس التنظيمي، الذي يشترط فيه أن يصير منسجما مع الأيديولوجية، التي يقتنع بها المنظمون في حزب معين، الذين يسعون إلى الوصول إلى السلطة، عن طريق تفعيل البرنامج الحزبي، المنسجم، بدوره، مع أيديولوجية الحزب.

والتنظيم الحزبي، هو تنظيم طبقي، يعمل، باسم طبقة معينة، على الوصول على السلطة، من أجل جعل الطبقة المذكورة، وبالطرق القانونية، مستفيدة من الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

والتنظيم الحزبي، كذلك، لا بد له من أيديولوجية تنسجم مع طبيعة الطبقة المشكلة له، والمستفيدة من خدماته، كما أنه لا بد له من مواقف سياسية، منسجمة مع طبيعة الأيديولوجية، ومع طبيعة الطبقة المشكلة للحزب، حتى تصير معبرة عن مصالحها، ومحققة لمكاسبها، وعاملة على جعل الحزب يعرف إشعاعا واسعا في صفوف الجماهير الشعبية، مما يساعد، وبشكل كبير، على تسييد أيديولوجيته في المجتمع.

وكما تتعدد الأيديولوجيات، تتعدد التنظيمات الحزبية في المجتمع، أي مجتمع، وخاصة في المجتمع المغربي.

فهناك الحزب الإقطاعي الساعي إلى الوصول إلى السلطة، من أجل إقامة الحكم الإقطاعي، وإعداد القوانين التي تخدم مصالح الإقطاع، وتعمل على تأبيد تلك الخدمة. وحكم حزب الإقطاع يكرس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، ولا يسعى أبدا إلى تحقيق أي مستوى من مستويات الديمقراطية، بمفهومها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لأنه عدو لذوذ للديمقراطية، كما أنه لا يعترف بشيء اسمه حقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

وهناك الحزب البورجوازي، الساعي، بدوره، إلى الوصول إلى السلطة، لفرض الحكم البورجوازي، والعمل على جعل الدولة في خدمة المصالح البورجوازية، وحماية تلك المصالح، حتى تستمر البورجوازية في الاستفادة من الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى تضمن استمرار قوتها، وقدرتها على الاستمرار في الحكم إلى ما لا نهاية.

والحزب البورجوازي، كان في أصله يسعى إلى تحقيق الديمقراطية، بمفهومها الليبرالي،  إلا أنه، ومع ظهور الليبرالية الجديدة، تحالفت مع الإقطاع، وتحولت، هي بدورها، إلى مستعبدة، ومستبدة، إضافة إلى تكريسها للاستغلال الهمجي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وهذا التحالف القائم بين البورجوازية، والإقطاع، على مستوى البلدان المصنفة، سابقا، ضمن البلدان المتخلفة، والتابعة، ومنها المغرب، جعل التناقص بينهما يختلف، وبصفة نهائية، ليحل محله التوافق، والتناسب، على مستوى الممارسة السياسية، والأهداف المتوخاة منها. ولذلك، فالحزب البورجوازي، ذو الطبيعة الليبرالية، لم يعد موجودا، ليحل محله الحزب البورجوازي المتحالف مع الإقطاع.

وإذا كان الحزب البورجوازي ذو الطبيعة الليبرالية، يقتنع بضرورة تحقيق الديمقراطية، بمضمونها الليبرالي، فإن تحوله إلى حزب متحالف مع الإقطاع، حوله إلى حزب معاد للديمقراطية، بمضمونها المذكور، كما أن هذا الحزب يعادي، كذلك، حقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان.

وهناك أحزاب البورجوازية الصغرى، التي نجد من بينها:

أولا: الحزب البورجوازي الصغير، الذي يعتمد أيديولوجية مؤلفة من مختلف الأيديولوجيات: الإقطاعية، والبورجوازية، والعمالية، وغيرها، مما هو قائم في الواقع، حتى لا تصنف في خانة اليمين، أو في خانة اليسار. وبتاء على توليفتها الأيديولوجية، نجد أنها تتخذ، كذلك، مواقف سياسية، تتناسب مع توليفتها الأيديولوجية، حتى تبقى وسطية، لا تعبر لا عن اليمين، ولاعن اليسار.

وهذا الحزب البورجوازي الصغير، يدعي أنه يناضل من أجل الديمقراطية، ولكن مضمون هذه الديمقراطية، لا يصير واضحا في البرامج الحزبية، ويدعي أنه يناضل من أجل حقوق الإنسان، ولكنه لا يحسم في مرجعية هذه الحقوق.

ثانيا: الحزب البورجوازي الصغير، المؤدلج للدين الإسلامي، الذي يستغل الدين في الأمور الأيديولوجية، والسياسية، وصولا إلى تضليل المسلمين، وجميع أفراد المجتمع، حتى ينساقوا وراءه من أجل استغلالهم، في الوصول إلى السلطة، بدعوى العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية.

والحزب البورجوازي الصغير، المؤدلج للدين الإسلامي، لا يقتنع لا بالديمقراطية، ولا بحقوق الإنسان، بقدر ما يستغلهما للوصول إلى الحكم، من أجل استغلاله، لتحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى، المؤدلجة للدين الإسلامي، التي تدعي أن هدفها الأساسي: هو تطبيق الشريعة الإسلامية.

وإلى جانب ما ذكرنا، فحزب البورجوازية الصغرى، المؤدلج للدين الإسلامي، عندما يسعى إلى الوصول إلى الحكم، إنما يسعى إلى ذلك، من أجل تكريس الاستبداد القائم، كما هو حاصل في المغرب، أو من أجل السعي إلى فرص استبداد بديل، كما حصل في تونس، وفي مصر. وهو ما يعني أن على الشعوب أن لا تنتظر من الحزب البورجوازي الصغير، المؤدلج للدين الإسلامي، أن يعمل على تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وأن يحترم حقوق الإنسان، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

والحزب المتبني لأيديولوجية الطبقة العاملة، القائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، والساعي إلى الوصول إلى السلطة، من أجل أجرأة التحرير، والديمقراطية، وبناء الدولة الاشتراكية، على عملية تحويل ملكية وسائل الإنتاج، من الملكية الفردية إلى الملكية الجماعية.
وهذا الحزب، هو الحزب المعروف بحزب الطبقة العاملة، المنتجة للخيرات المادية، والمعنوية، والمحرومة من كافة حقوقها، التي تضمنها جميع المواثيق الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق الأجراء، والعمال، وسائر الكادحين. وهو حزب يجمع، في جدلية متكاملة، بين النضال من أجل التحرير، والنضال من أجل الديمقراطية والنضال من أجل الاشتراكية.

ولذلك، فحزب الطبقة العاملة، وجد في الأصل من أجل:

1 ـ تحرير الإنسان، والأرض، من الاحتلال الأجنبي المباشر، وغير المباشر، والاستعباد، والاستبداد، والاستغلال. وبالنسبة للمغرب، فحزب الطبقة العاملة، يناضل من أجل استكمال تحرير الأرض، وتحقيق الوحدة الترابية، ووحدة الشعب المغربي.

2 ـ تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، إلى جانب العمل المستمر، على تحقيق احترام حقوق الإنسان، كما هي في المواثيق الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، كجزء لا يتجزأ من الممارسة الديمقراطية، في حال تحققها.

3 ـ العمل على تحقيق الاشتراكية، كوسيلة، وكهدف، كما وصفها الشهيد عمر بنجلون، عن طريق توظيف قوانين الاشتراكية العلمية: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، من أجل التحليل الملموس، للواقع الملموس، وصولا إلى معرفة القوانين المتحكمة في تكريس الواقع القائم، والعمل على تفكيكها، وصولا إلى امتلاك نظرية كاملة عن الواقع، تمكن من العمل على تغييره تغييرا جذريا، يقود إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

وإلى جانب الأحزاب التي ذكرنا، نجد، كذلك، ما يمكن تسميته ب:

1 ـ الحزب اليميني المتطرف، المغرق في الظلامية، والساعي إلى فرض إرادته على الشعب، بقوة الإرهاب المادي، والمعنوي، مستغلا في سبيل ذلك، كل الإمكانيات المتوفرة، بما فيها استغلال الدين، وبأبشع صور الاستغلال المحرفة له، والمشوهة لقيمه الأصيلة.

2 ـ الحزب اليساري المتطرف، الساعي إلى فرض إرادته، كذلك، بقوة الإرهاب المادي، والمعنوي، مستغلا في سبيل ذلك، الرموز التاريخية، التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من التراث الاشتراكي.

وهكذا، يتبين أن الأساس التنظيمي، القائم على أساس الأيديولوجية، متعدد تعدد الأيديولوجيات، المترتبة عن تعدد الطبقات الاجتماعية، وتعدد التوجهات، في إطار الأيديولوجية الواحدة, وهذا التعدد، يصير واضحا في البلدان المتقدمة، والمتطورة، إلا أنه بالنسبة للبلدان ذات الأنظمة التابعة، ومنها المغرب، يصير غير واضح، بسبب افتقار شعوب هذه البلدان إلى الوضوح الطبقي، والأيديولوجي، مما يجعل التنظيمات، والتوجهات السياسية، تعرف شيئا من الهلامية.

والأساس السياسي، الذي يشترط فيه أن يصير منسجما مع طبيعة التنظيم، ومع طبيعة الأيديولوجية التي يقتنع بها، حتى يصير معبرا عن مصالح الطبقة التي يمثلها.

فالموقف السياسي للحزب الإقطاعي، يعبر عن مصالح الطبقة الإقطاعية، المتمثلة في تأبيد الاستبداد القائم، وفي كون ذلك الاستبداد، يخدم مصالح الإقطاع التقليدي، والجديد، ويحمي تلك المصالح.

والموقف السياسي للحزب البورجوازي، يسعى إلى خدمة مصالح الطبقة البورجوازية، ويعمل على حماية تلك المصالح، في ظل قيام الدولة البورجوازية، التي تدعي الديمقراطية، التي لا يمكن وصفها إلا بديمقراطية الواجهة، وبعمق استبدادي، نظرا لكون الاستبداد، هو الوسيلة لحماية المصالح البورجوازية، وضمان استمرار خدمة تلك المصالح، وخاصة في ظل التحالف الذي يقوم بين البورجوازية، والإقطاع، الذي يقوم غالبا في البلدان ذات الأنظمة التابعة، ومنها المغرب.

والموقف السياسي لحزب البورجوازية الصغرى، الهادف إلى إنضاج الشروط الموضوعية، التي تساعد على تحقيق التطلعات الطبقية، التي تعتبر هاجسا مركزيا، يحكم مجمل ممارسات البورجوازية الصغرى، مما يجعل مواقف حزبها السياسي، تنصب على مناهضة كل ما يحول دون قيامها بتحقيق تلك التطلعات، التي تدفع في اتجاه جعل المواقف السياسية، لحزب البورجوازية الصغرى، تتملق للبورجوازية الكبرى، وأحزابها، في ظروف الرخاء، وتتملق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في ظروف الشدة، نظرا لتذبذب المواقف السياسية، التي يتخذها حزب البورجوازية الصغرى.

وإذا كان حزب البورجوازية الصغرى، يعتمد توليفة من مختلف الأيديولوجيات، لتكون مواقفه السياسية متذبذبة كذلك، فإن حزب بورجوازية صغرى آخر، يقوم على أساس أدلجة الدين الإسلامي، يحسم مع التذبذب في مواقفه السياسية، تبعا لحسمه مع التذبذب على المستوى الأيديولوجي، بسعيه إلى جعل سياسيته متوجهة نحو استعادة الماضي، والسعي إلى إعادة إنتاج تشكيلة ذلك الزمن، كما يتصورها مؤدلجو الدين الإسلامي، لتصير مواقفه السياسية ذات لباس إسلامي.

والموقف السياسي لحزب الطبقة العاملة، باعتباره حزبا يسعى إلى تحقيق الاشتراكية، يجب أن ينسجم مع طبيعة التنظيم، ومع طبيعة الأيديولوجية، القائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، حتى يصير موقفا علميا مؤثرا في الواقع، وفاعلا فيه، ومعبئا للجماهير الشعبية الكادحة، التي ينتظر منها أن تساهم بنضالاتها الهادفة إلى التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

فمواقف حزب الطبقة العاملة، القائمة على أساس التحليل الملموس، للواقع الملموس، هي مواقف علمية، رائدة، وتستطيع أن تخلق دينامية في المجتمع، مما يجعل الممارسة السياسية، متقدمة، ومتطورة. وهو ما يجعل الطبقة الحاكمة، والأحزاب الإقطاعية، والبورجوازية، والمؤدلجة للدين الإسلامي، واليمينية المتطرفة، واليسارية المتطرفة، تتحالف فيما بينها، ضد حزب الطبقة العاملة، وتعمل على محاصرة مواقفه، عن طريق التضليل الممنهج، وتشويه سمعة الحزب، ووصف المنتمين إليه بالكفار، والملحدين، لاستعداء الجماهير الشعبية عليه، من أجل إقامة الحدود بينه، وبين الجماهير الشعبية الكادحة.

والموقف السياسي للحزب اليميني المتطرف، الذي يسعى إلى تكريس الإرهاب  المادي، والمعنوي، ضد المجتمع برمته، من أجل فرض الاستبداد البديل، للاستبداد القائم، وباسم الدين الإسلامي، الذي يقولون عنه إنه دين سمح، حتى يصير المجتمع خاضعا بقوة الرعب، والإرهاب، وتحت طائلة سلطة الدين، الذي يتحول إلى دين للإرهاب.

والموقف السياسي لليسار المتطرف، الذي يعتمد نفس الأسلوب، الذي يسلكه اليمين المتطرف، ولكن عن طريق المزايدة على حزب الطبقة العاملة بالخصوص.

ومن خلال ما رأينا،  يتبين أن المواقف السياسية، للأحزاب القائمة في الواقع، تتعدد بتعدد الأحزاب، وتجسد الصراع القائم فيما بينها، وتستهدف في معظمها تضليل الجماهير الشعبية الكادحة، حتى تنساق وراء تلك الأحزاب، باستثناء حزب الطبقة العاملة، الذي ينهج سياسة الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة، لأن السياسة الحقيقية، هي سياسة الحقيقة، كما قال الشهيد المهدي بنبركة.

وبالأساس السياسي، نكون قد أتينا على مناقشة مجموع الأسس، التي يقوم عليها الحزب السياسي، لنصل إلى أن الحزب السياسي، كمفهوم،  لابد له من أسس أيديولوجية، وتنظيمية، وسياسية، تمكنه من القيام بدوره في الواقع، الذي يتواجد فيه، انطلاقا من برامج مرحلية محددة، لتحقيق أهداف إستراتيجية، تمكن من الوصول إلى السلطة، والشروع في أجرأة تصوره لما يجب أن يكون عليه المجتمع، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، إما لخدمة مصالح الطبقة، أو مصالح التحالف الطبقي الحاكم، أو مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

مفهوم النقابة:

وبعد مناقشتنا لمفهوم الحزب، وللأسس التي يقوم عليها، ننتقل إلى مناقشة مفهوم النقابة، باعتبارها تنظيما جماهيريا، مختلفا عن تنظيم الحزب، على جميع المستويات.

فالنقابة، لا أيديولوجية لها، وتنظيمها يختلف عن تنظيم الحزب، ومبادئها ليست هي مبادئ الحزب، ولا تتخذ مواقف سياسية، ومواقفها التي تعلن عنها تختلف عن مواقف الحزب، وبرامجها تسعى إلى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في الوقت الذي نجد فيه أن برامج الحزب المرحلية، والإستراتيجية، تهدف إلى الوصول إلى السلطة.

وإذا كان الحزب يعبر عن مواقفه السياسية، تجاه مختلف القضايا، فإن النقابة لا تتجاوز في مطالبها، وفي برامجها، وفي نضالاتها، أن تربط ربطا جدليا بين النضال النقابي، والنضال السياسي.

وانطلاقا من هذه المقارنة البسيطة، التي قمنا بها، نجد أن النقابة مختلفة عن الحزب، على هذا الأساس، الذي يقوم عليه التنظيم، وعلى مستوى التصور التنظيمي، وعلى مستوى البرامج، وعلى مستوى المواقف، وعلى مستوى الأهداف.

ونظرا للاختلاف القائم بين النقابة، والحزب، فإن النقابة لا يمكن أن تكون إلا تنظيما جماهيريا، له أساسه التنظيمي، وله تصوره، وله برامجه، وله مواقفه، وله أهدفه. وكل ذلك يختلف على مستوى الشكل، وعلى مستوى المضمون، عن كل ما يخص الحزب، أيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا.

ولذلك، فالنقابة تنظيم خاص بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبطبيعة مركزية، أو قطاعية: محلية، أو إقليمية، أو جهوية، أو وطنية، يقوم على أساس الحاجة إلى وجوده، من أجل قيادة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في نضالاتهم المطلبية، والعمل على تحقيق تلك المطالب، والدفاع عن مصالحهم، وحماية مكتسباتهم المادية، والمعنوية، انطلاقا من برامج نقابية، تعدها الهيئات التقريرية، وصولا إلى تحقيق الأهداف المسطرة، والمتمثلة، بالخصوص، في تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والأساس الذي تقوم عليه النقابة، ليس هو الأيديولوجية، التي يقوم عليها الحزب، بل هو حاجة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى تنظيم يقود نضالاتهم، في أفق تحقيق مطالبهم، وحماية مكتسباتهم، والدفاع عن مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

ومبادئ النقابة، تختلف عن مبادئ الحزب، وتعتبر من مبادئ العمل الجماهيري،  التي تختلف من تنظيم جماهيري، إلى تنظيم جماهيري آخر.

وكيفما كان الأمر، فإن مبادئ العمل النقابي، هي جزء من مبادئ العمل الجماهيري، وليست كلها. وهي تتمثل في:

1 ـ مبدأ الديمقراطية، التي تتخذ لها مستويين:

ا ـ مستوى الحرص على اعتماد الديمقراطية الداخلية، في الممارسة اليومية، على مستوى اختيار الأجهزة التنفيذية، والتقريرية، في مستوياتها المختلفة، وعلى مستوى تنفيذ المهام، وعلى مستوى اتخاذ القرارات، من أجل أن تتجنب النقابة كافة أشكال الصراع الداخلي، الذي يعرقل العمل النقابي، ومن أجل أن يتم قطع الطريق أمام الممارسات البيروقراطية، والانتهازية، والتحريفية المسيئة للنقابة، وللعمل النقابي.

والحرص على اعتماد الديمقراطية الداخلية، يقتضي الالتزام باحترام المبادئ النقابية، والضوابط التنظيمية، كما يقتضي احترام ضوابط النظام الداخلي، والأساسي، للتنظيم النقابي، بما في ذلك احترام مواعيد إعادة الهيكلة... إلخ.

ب ـ مستوى المساهمة في النضال، من أجل تحقيق الديمقراطية في المجتمع، وبمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن أجل احترام حقوق الإنسان، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. ومساهمة النقابة في النضال الديمقراطي، يقتضي منها الانخراط، في كل عمل تنسيقي، أو تحالفي، أو جبهوي، يهدف إلى فرض تحقيق الديمقراطية في المجتمع، بما في ذلك الانخراط في الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية.

2 ـ مبدأ التقدمية، بمفهومها النقابي، الهادف إلى التحسين المستمر، للأوضاع المادية، والمعنوية، وإلى فرض احترام الديمقراطية الداخلية، والضوابط التنظيمية للنقابة، وإلى تربية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، على احترام الممارسة الديمقراطية في المجتمع، وإلى الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي في المجتمع، مما يجعل النقابة وسيلة لبث الوعي بالأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذي يصير مقدمة للوعي بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبأهمية النضال النقابي، والانخراط في التنسيق مع النقابات المختلفة، والربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، والانخراط في الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، حتى تصير تقدمية النقابة، مصدرا للتطور المستمر للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في أفق الارتقاء بالوعي بالأوضاع المادية، والمعنوية، إلى مستوى الوعي الطبقي، الذي يمكن من الوعي بالذات، ومن الانخراط في النضال السياسي، من بابه الواسع، وفي الصراع الطبقي، بمضمونه الأيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي، سعيا إلى التحرير، بعد القضاء على الاستعباد، وفرض الديمقراطية، بعد القضاء على الاستبداد، وتحقيق الاشتراكية، بعد تحويل الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، إلى ملكية جماعية.

وإذا كان مبدأ التقدمية، لا ينقل مستوى وعي العمال إلى مستوى الوعي الطبقي، بمعناه العلمي، فإنه يتحول إلى مجرد ادعاء، لمجرد الاستهلاك، ليس إلا.

3 ـ مبدأ الجماهيرية، الذي يقتضي انفتاح النقابة على مجموع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل انتظامهم في النقابة، ومساهمتهم في بناء ملفاتهم المطلبية، وفي صياغة برامج النقابة، وفي تنفيذ تلك البرامج على أرض الواقع.

فمبدأ الجماهيرية، يجب أن يكون سدا منيعا ضد تحكم النخبة في النقابة، وضد الممارسة البيروقراطية، والانتهازية، وتبعية النقابة لجهة معينة، أو حزبيتها، أو جعلها مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، لأنه بدون ترسيخ مبدأ الجماهيرية، في الممارسة النقابية، تطفو الأمراض المذكورة، التي تفسد النقابة، والعمل النقابي. وهو ما يترتب عنه اعتبار مبدأ الجماهيرية، حصانة للنقابة، ضد كل الأمراض المذكورة، وحماية لها منها، وسعيا دائما إلى تطور، وتطوير النقابة: تنظيميا، وبرنامجيا، ونضاليا، وإلى المحافظة على الهوية الكفاحية للنقابة.

4 ـ مبدأ الاستقلالية، الذي يحصن النقابة، ضد التبعية لجهة معينة، وضد الحزبية، وضد صيرورة النقابة مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، وضد جميع الممارسات التحريفية، بما في ذلك البيروقراطية، والانتهازية.

فمبدأ الاستقلالية، هو الحصن الأساسي للنقابة، وهو العامل الأساسي في جعل النقابة مفتوحة في وجه العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبدونه تسقط النقابة في فخ التحريفية، التي تتخذ مظاهر متعددة، والتي من بينها: تحكم النخبة في أجهزتها المختلفة، والذي يصير مقدمة للممارسة البيروقراطية، والانتهازية، وكل أشكال التحريف الأخرى. وهو ما يجعل الحرص على احترام مبدأ الاستقلالية، يكتسي أهمية خاصة.

5 ـ خامسا: مبدأ الوحدوية، الذي يعني الحرص الدائم على وحدة العمل النقابي، في الميدان الذي يعتبر شرطا لقيام وحدة المطالب، ووحدة البرنامج، ووحدة الأهداف، ووحدة التنظيم، ولو في شكل تنسيق، أو تحالف، أو جبهة نقابية.

والمستفيد الأول من مبدأ الوحدوية، هم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يتقوون بالوحدة النقابية، في مستوياتها المختلفة، مما يجعلهم يفرضون تحقيق مطالبهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بالعمل النقابي الوحدوي، وخاصة في بلد كالمغرب، حيث يعرف العمل النقابي تمزقا خطيرا، ينعكس سلبا على النقابة، وعلى العمل النقابي، وعلى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين صاروا يفتقدون ثقتهم في النقابات، التي تتفشى في صفوف مسؤوليها، الممارسات التحريفية المختلفة، بما في ذلك الممارسات الانتهازية، التي يسعى ممارسوها إلى خدمة مصالحهم الخاصة.

والنقابة التي تحرص على احترام المبادئ، التي أشرنا إليها، لا يمكن وصفها إلا بالنقابة المبدئية، أما النقابة التي لا تحترمها لا يمكن أن تكون إلا نقابة تحريفية، والفرق شاسع بين النقابة المبدئية، والنقابة التحريفية.

والعلاقة بين مبادئ العمل النقابي، هي علاقة جدلية.

فالديمقراطية تتفاعل مع التقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية.

وما قلناه في الديمقراطية، نقوله في أي مبدإ آخر، على مستوى التفاعل مع المبادئ الأخرى. وهو ما يجعلها تتطور باستمرار، وتطورها آت من الحاجة الملحة إلى تطور، وتطوير، العمل النقابي، في إطار النقابة المبدئية، حتى تصير منسجمة مع التطور الحاصل في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأن النقابة نفسها، إذا لم تدخل في علاقة جدلية مع الواقع، تصير متخلفة عنه. وتخلفها هو الذي يدفعها إلى تكريس كافة أشكال التحريف، التي لم تعد مقبولة، نظرا للتحولات التي يعرفها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وهكذا، نصل إلى أن مناقشتنا لمفهوم النقابة، اقتضى منا الوقوف على المبادئ، التي تعطيه المدلول الصحيح. إلا أن عدم احترام المبادئ التي أتينا على ذكرها، أنتج نقابات، لا وجود فيها لشيء اسمه المبادئ النقابية، والتي لا يمكن اعتبارها نقابات، إلا من باب التجاوز. وهذا النوع من النقابات، هو الذي نسميه ب:

 1 ـ النقابة التي تصير تابعة إما للنظام القائم، أو لأي حزب من الأحزاب، الذي تتلقى منه التوجيه، الذي تخضع له في ممارستها اليومية، من أجل خدمة مصالح الجهة الموجهة.

2 ـ النقابة الحزبية، التي تخضع لتنفيذ البرامج الحزبية، الخاصة بالنقابة الحزبية، التي تتحول إلى واجهة حزبية، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

3 ـ النقابة المجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، يصير رهن إشارة النقابة، التي تغذيه، وتتحكم فيه.

4 ـ النقابة التي تبقى رهن إشارة البيروقراطية، التي تتحكم في مسارها، على جميع المستويات التنظيمية.

وهذه النقابات اللا مبدئية، لا يمكن أن تصير إلا نقابات تحريفية، ولا علاقة لها بالعمل النقابي الصحيح.

علاقة الحزب بالنقابة:

وبعد مناقشتنا لمفهوم الحزب، ومفهوم النقابة، اللذين تبين من خلال تناولهما: أن الحزب ليس هو النقابة، وأن النقابة ليست هي الحزب، نظرا لاختلاف المنطلقات، ولاختلاف الشكل التنظيمي، ولاختلاف البرامج، ولاختلاف الأهداف، إلا أن هذا الاختلاف، لا ينفي قيام العلاقة بين الحزب، والنقابة.

فما مفهوم العلاقة؟

وما مفهوم العلاقة بين الحزب، والنقابة؟

وما طبيعة هذه العلاقة القائمة في الواقع؟

وكيف يجب أن تصير هذه العلاقة؟

وما هي الشروط المتوفرة لبناء علاقة موضوعية بين الحزب، والنقابة؟

وما العمل من أجل حماية العلاقة الموضوعية بينهما؟

ومن يقف وراء إفساد العلاقة بينهما؟

هل هو الحزب؟

هل هي النقابة؟

كيف نحارب فساد العلاقة بين الحزب والنقابة؟

وما العمل من أجل التخلص من فساد العلاقة بينهما؟

وقبل أن ندخل في مناقشة علاقة الحزب بالنقابة، لا بد من الوقوف على مفهوم العلاقة أولا، والتي تعني الارتباط الإرادي، أو القسري، بين شخصين، أو بين منظمتين، أو بين دولتين، بهدف القيام بعمل مشترك، لتحقيق أهداف معينة.

وهذه العلاقة، عندما تكون إرادية، تتحقق فيها المساواة بين الطرفين المعنيين بالعلاقة، التي تصير وسيلة للقيام بعمل مشترك، لتحقيق الأهداف المشتركة بينهما، سواء تعلق الأمر بين شخصين، أو بين منظمتين، أو مجموعة من المنظمات، أو بين دولتين، أو مجموعة من الدول.

والعلاقة عندما تكون إرادية، تكون محكومة بالاحترام المتبادل بين الأطراف المعنية بالعلاقة: أفرادا، أو منظمات، أو دولا.

والعلاقة، كذلك، لا تكون إلا من أجل القيام بعمل مشترك، لتحقيق أهداف مشتركة، ولخدمة مصالح الطرفين، أو الأطراف المعنية بالعلاقة على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.

وعلاقة من هذا النوع، لا تكون إلا مبدئية، والمبدئية لا تعني إلا احترام المبادئ المعتمدة، في التعامل بين الجهات المعنية بالعلاقة. وهو ما يضمن استمرارها، وتطورها، على مستوى العمل المشترك، وعلى مستوى الأهداف، وعلى مستوى تبادل الخبرات، وغير ذلك مما له علاقة بالأطراف المعنية بالعلاقة.

أما مفهوم العلاقة بين النقابة، والحزب، فإنها يفترض فيها أن تقوم بين منظمتين مختلفتين شكلا، ومضمونا، وعلى أساس الاحترام المتبادل بين النقابة، والحزب، نظرا للاختلاف القائم بينهما، على مستوى المنطلقات، وعلى مستوى طبيعة التنظيم، وعلى مستوى البرامج، وعلى مستوى الأهداف.

وأهم ما يجب أن يميز علاقة النقابة بالحزب، هو احترام:

1 ـ كون العلاقة قائمة على أساس احترام التعامل الديمقراطي بين النقابة، والحزب.

2 ـ كون النقابة مستقلة عن الحزب، الذي لا يمكن له أبدا أن يتدخل في شؤون النقابة.

3 ـ كون النقابة ذات طبيعة جماهيرية، يمكن لكافة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أن ينتظموا فيها، في الوقت الذي نجد فيه أن الحزب لا ينتظم فيه إلا المقتنعون بأيديولوجيته، وبتصوره التنظيمي، وبخطه السياسي.

4 ـ كون النقابة، في أهدافها، لا تتجاوز تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بهدف التقليص من حدة الاستغلال المادي، والمعنوي، في الوقت الذي نجد فيه أن الحزب يسعى إلى الوصول إلى السلطة.

5 ـ كون النقابة تقدمية، إذا لم تكن خاضعة لجهة رجعية، بينما نجد أن الحزب قد يكون تقدميا، وقد يكون رجعيا، وقد يكون وسطيا، وفي حالة تقدمية الحزب، فإن مضامين تقدميته، تختلف عن مضامين تقدمية النقابة.

6 ـ كون النقابة تسعى إلى وحدة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، تنظيميا، ومطلبيا، وجماهيريا، ونضاليا، وبرنامجيا، وغير ذلك، من أجل أن يمتلكوا القوة، لفرض الاستجابة إلى المطالب المادية، والمعنوية للنقابة.

7 ـ كون النقابة بدون أيديولوجية تتأسس عليها، في الوقت الذي لا بد فيه من أيديولوجية معينة، يتأسس عليها الحزب.

8 ـ كون النقابة، في حالة احترام ديمقراطيتها، وتقدميتها، وجماهيريتها، واستقلاليتها، ووحدويتها، تستطيع الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، في الوقت الذي نجد فيه أن الحزب لا يناضل إلا سياسيا.

وفي حالة الإخلال بهذه العلاقة، فإن النقابة تصير إما:

1 ـ تابعة لجهة معينة، تملي عليها ما تقوم به، في ممارستها اليومية، من أجل خدمة مصالح تلك الجهة، التي قد تكون أجهزة الدولة، أو قد تكون حزبا معينا، يسعى إلى النفاذ إلى صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، عن طريق النقابة الموجهة.

2 ـ حزبية، ينشئها حزب معين، حتى تقوم بتفعيل برامجه، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل أن يصير ذلك وسيلة لجعل الحزب يصل إلى السلطة.

3 ـ بيروقراطية، تخضع لما تقرره أجهزتها البيروقراطية، بهدف خدمة مصالح تلك الأجهزة، ومصالح الجهات المتحالفة معها.

والفرق واضح ،بين احترام ما تستوجبه العلاقة بين الحزب، والنقابة، وبين تحريف تلك العلاقة، عن طريق تحريف الممارسة النقابية برمتها، لتصير شيئا آخر، غير النقابة.

وبعد وقوفنا على العلاقة بين الحزب، والنقابة، ننتقل إلى مناقشة طبيعة العلاقة بينهما، التي تتخذ أشكالا مختلفة، ومتجددة:

الشكل الأول: سيادة الاحترام، والدعم المتبادل بين الحزب، والنقابة، على مستوى المنطلقات، وعلى مستوى المطالب، وعلى مستوى البرامج، وعلى مستوى الاحترام القائم، هو الذي يجعل النقابة متحررة، في اختيارها لشكلها التنظيمي، ولصياغة مطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولوضع البرامج النضالية، ولتنفيذ تلك البرامج على أرض الواقع. وهذا التحرر، هو الذي يفسح المجال من أجل الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، ويمكن من التنسيق بين النقابة، وباقي النقابات، من أجل القيام بعمل مشترك معين، لتحقيق أهداف مشتركة معينة، بالإضافة إلى الانخراط في العمل النضالي اليومي.

الشكل الثاني: بناء النقابة على أساس تبعيتها إما لأجهزة الدولة، أو لحزب معين، مما يجعلها موجهة، وخاضعة للجهة الموجهة، وفي خدمة مصالحها، عن طريق حشد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لأجل ذلك.

الشكل الثالث: أن تصير النقابة حزبية، ينشئها حزب معين، من أجل أن تعمل على تنفيذ برامجه في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يتأتى للحزب أن يجد له أتباعا، ومحيطا جماهيريا في صفوفهم.

الشكل الرابع: أن تبنى النقابة على أساس صيرورتها مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، يصير تابعا لها، ورهن إشارتها.

الشكل الخامس: بناء النقابة على أساس خضوع قواعدها لما تقرره القيادة البيروقراطية، المتحكمة في كل شيء.

وإذا استثنينا الشكل الأول، فإن باقي الأشكال التنظيمية، ليست مبدئية، ولا تستطيع الانخراط في أي شكل من أشكال التنسيق، أو التحالف، أو الجبهة، إلا بإرادة الجهة الموجهة، أو الحزبية، أو العاملة على استغلال النقابة، لإنشاء حزب معين، أو البيروقراطية، كما لا تستطيع الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي.

والواقع، أن العلاقة القائمة بين الحزب، والنقابة، يجب أن تصير قائمة على احترام استقلالية النقابة، عن أية جهة كانت، وعلى الدعم المتبادل بين الحزب، والنقابة، وعلى إيجاد قواسم مشتركة بينهما، تعطي إمكانية القيام بعمل مشترك، ينعكس إيجابا على خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة بين الحزب، والنقابة، وما سوى هذه العلاقة، يدخل في إطار العمل على تحقيق التحكم المطلق، في الحركة النقابية، عن طريق التوجيه، أو التحزيب، أو الإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، أو الممارسة البيروقراطية.

وفيما يخص الشروط الموضوعية، المساعدة على بناء علاقة موضوعية سليمة، بين الحزب، والنقابة، نجد أن هذه الشروط تكاد تكون مفتقدة في البلاد العربية، وخاصة في المغرب، حيث نجد أن الحزب يسعى، باستمرار، إلى جعل النقابة تابعة له، أو ينشئ نقابته الحزبية، أو يعمل بعض الحالمين بإنشاء حزب معين، انطلاقا من النقابة. وهذه الممارسات، ذات الطابع الحزبي، هي التي تجعل العلاقة بين الحزب، والنقابة، غير سليمة.

والشروط الموضوعية، التي تجعل العلاقة بين الحزب، والنقابة، خالية من كل أشكال التحريف، التي يجب العمل على إنضاجها، تتمثل في:

1 ـ شرط الاحترام المتبادل بين النقابة، والحزب، على جميع المستويات.

2 ـ شرط التربية على الديمقراطية في الحزب، وفي النقابة، على حد سواء، حتى تبنى العلاقة مع الآخر، على أسس ديمقراطية.

3 ـ شرط الاحترام المتبادل للمبادئ الحزبية، والمبادئ النقابية، على حد سواء.

4 ـ الاهتمام المشترك بين الحزب، والنقابة، بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يتم التوافق بين الحزب، والنقابة، في الميدان الجماهيري.

5 ـ وجود قواسم مشتركة بين البرنامج الحزبي، والبرنامج النقابي، يمكن أن يعتمد في القيام بالعمل المشترك، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.

6 ـ كون الحزب حزبا للطبقة العاملة، أو حزبا تقدميا، أو يساريا، أو ديمقراطيا، حتى يصير برنامجه النضالي، في خدمة البرنامج النضالي للنقابة، ومن أجل أن يصير البرنامج النضالي للنقابة، في خدمة البرنامج النضالي للحزب.

7 ـ كون أيديولوجية الحزب، معبرة عن مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أو توجد بينها، وبين الأيديولوجية المعبرة عن مصالحهم، قواسم مشتركة.

8 ـ كون البرنامج الحزبي، يخدم مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في حالة تحقق بنوده، أو بعضها.

9 ـ كون الأهداف الإستراتيجية للحزب، في حالة وصوله إلى السلطة، تحقق تحرير الأرض، والإنسان، والديمقراطية، وتضع حدا للاستغلال المادي، والمعنوي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في إطار تحقيق الاشتراكية.

10 ـ كون النضال النقابي، في إطار النقابة، التي تحترم في إطارها مبادئ العمل النقابي، يساهم في إعداد الشروط الموضوعية، لتفعيل الحزب الديمقراطي، أو التقدمي، أو اليساري، أو العمالي.

ومعلوم أن إنضاج هذه الشروط، وغيرها، مما لم نذكر، في واقع معين، وخاصة في الواقع المغربي، يؤدي إلى ترسيخ العلاقة المبدئية السليمة بين الحزب، والنقابة، وترسيخ هذه العلاقة، يؤدي إلى قوة الحزب، وقوة النقابة، وقوة الحزب الديمقراطي، أو التقدمي، أو اليساري، أو العمالي. وقوة النقابة، لا يمكن أن تكون إلا في مصلحة المجتمع ككل.

ولحماية العلاقة الموضوعية بين النقابة، والحزب، لا بد من العمل حزبيا، ونقابيا، وبعمل مشترك إن أمكن، على خوض صراع موضوعي ضد:

1 ـ الممارسة الانتهازية للحزبيين، العاملين في النقابة، وللنقابيين اللا منتمين، باعتبارها هي المنتجة لكافة أشكال التحريف، التي يعرفها العمل النقابي، في إطار النقابة المبدئية.

2 ـ الممارسة البيروقراطية، التي تتخذ أشكالا متعددة، والتي تقطع الطريق أمام ديمقراطية النقابة، وتقدميتها، وجماهيريتها، واستقلاليتها، ووحدويتها، مما يجعل العمل النقابي الذي يجري في إطارها، في خدمة الجهاز البيروقراطي.

3 ـ تبعية النقابة لجهة معينة، تتلقى منها التوجيه، من أجل القيام بالعمل النقابي، المناسب لتلك الجهة، حتى تستطيع التأثير في العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل جعلهم، هم أيضا، تابعين لها، عن طريق تبعية النقابة.

4 ـ حزبية النقابة، التي تجعل الحزب يخطط لها، ويضع برامجها، التي تعتمدها، للعمل في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يصيرون، بانخراطهم في النقابة، جزءا لا يتجزأ من الحزب.

5 ـ اعتماد النقابة مجالا لقيام القيادة النقابية، بالعمل على الإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، يمكن تسميته بحزب النقابة.

فهذه المظاهر التحريفية، هي التي يجب العمل على محاربتها من قبل الحزب، ومن قبل النقابة المبدئية، في نفس الوقت.

وحتى يجد الحزبيون، والنقابيون أنفسهم، مضطرين لمحاربة المظاهر التحريفية المذكورة، لا بد من:

1 ـ التربية على الممارسة الديمقراطية: في الحزب، وفي النقابة على حد سواء، حتى يصير الحزبيون، والنقابيون، محترمون للديمقراطية في الحزب، وفي النقابة على حد سواء، ومن أجل أن يعمل الحزبيون، والنقابيون، كذلك، على إشاعة الديمقراطية في المجتمع، والذي يساهم الحزب، والنقابة، في قيادة نضالات طليعته.

2 ـ التربية على حقوق الإنسان، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى يصير الحزبيون، والنقابيون، من العاملين على إشاعتها في المجتمع، ومن المكرسين لها في إطار الحزب، أو النقابة، وبواسطتهما في المجتمع، الذي يتحول، بفعل التربية على حقوق الإنسان، إلى مجتمع محكوم بقوانين ضامنة لحقوق الإنسان، ومكرسة لها، وبدولة الحق، والقانون.

3 ـ التربية على احترام الرأي، والرأي الآخر، في إطار الحزب، أو النقابة، حتى يتعود الحزبيون، والنقابيون، على التعبير عن آرائهم، في مختلف القضايا المتفاعلة في المجتمع، وخاصة، عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تعتبر اهتماما مشتركا بين الحزب، والنقابة، لأن التعبير عن الرأي، يجب أن يصير شرطا للتواجد في الحزب، أو في النقابة.

4 ـ امتلاك الدينامية النضالية، التي لا تعرف التوقف أبدا، في إطار الحزب، أو في إطار النقابة، حتى يتمكن الحزبيون، والنقابيون، من الارتباط بأوسع الجماهير، التي تشكل محيطا للحزب، والنقابة على حد سواء، لأنه بدون تلك الدينامية، يبقى الحزب، وتبقى النقابة، بعيدا عن العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

5 ـ اعتبار تتبع ما يجري في الواقع، وعلى جميع المستويات، من المهام المرتبطة بالانتماء إلى الحزب، أو إلى النقابة، حتى يمتلك الحزبيون، والنقابيون، الخبرة بالواقع في تحوله، ومن أجل أن تصير تلك الخبرة، منطلقا للتخطيط، والتنفيذ، على مستوى الحزب، وعلى مستوى النقابة، اللذين يستطيعان، بذلك، التأثير العميق في واقع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

فمحاربة المظاهر التحريفية، يحتاج إلى سلاح، والسلاح المعتمد هنا، هو الذي يكتسب بفعل الممارسة اليومية للحزبيين، والنقابيين، على حد سواء.

ولذلك فالتكوين يعتبر مسألة أساسية بالنسبة إليهم، والتكوين المستمر يعتبر شرطا للعمل في الحزب، أو في النقابة، وتوظيف ذلك التكوين في الممارسة اليومية للحزبيين، والنقابيين، وفي علاقتهم بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يعتبر شرطا في تلك العلاقة، من أجل توعيتهم بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل أن يعملوا بواسطة الحزب، وبقيادته، وبواسطة النقابة، وبقيادتها، على تغييره.

وإذا كانت العلاقة الموضوعية بين الحزب، والنقابة، ضرورية، فإن الحرص على ضرورتها، يعتبر أكثر ضرورة من غيره، حتى لا يتسرب الفساد إليها، لأن فساد العلاقة بين الحزب، والنقابة، لا ينتج إلا مظاهر التحريف، التي تفسد العمل الحزبي، والعمل النقابي في نفس الوقت.

والذي يقف وراء فساد العلاقة بين الحزب، والنقابة، لا يتجاوز أن يكون:

1 ـ الحزبيون الانتهازيون، العاملون في النقابة، والذين يستغلونها لتحقيق تطلعاتهم الطبقية، التي لا علاقة لها، لا بالحزب، ولا بالنقابة.

2 ـ النقابيون الانتهازيون، الذين يوظفون العمل النقابي، لخدمة مصالحهم، المرتبطة بتحقيق تطلعاتهم الطبقية.

3 ـ القيادة البيروقراطية، التي ليس من مصلحتها أن يصير الحزب محترما للنقابة، وأن تصير النقابة محترمة للحزب.

4 ـ الحزب الذي يحرص على أن تصير النقابة تابعة له، كما يحرص على أن تصير النقابة حزبية.

5 ـ القيادة النقابية، التي تحول النقابة إلى مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، يصير تابعا للنقابة، أو حزبا نقابيا.

6 ـ كل الحزبيين العاملين في النقابات، القابلين بالمساهمة في إنتاج الممارسات التحريفية، المضرة بالعلاقة الموضوعية بين الحزب، والنقابة، على حد سواء.

7 ـ كل النقابيين، الذين لا يقاومون الفساد النقابي، في إطار النقابة، وفي إطار العلاقة بين الحزب، والنقابة.

8 ـ كل من يقف وراء إنشاء كيانات نقابية، تابعة، أو حزبية، أو بيروقراطية، من أجل تمزيق العمل النقابي، وشرذمته، مما يجعله عاجزا عن القيام بدوره لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

9 ـ كل الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، التي لا تحرص، في ممارستها اليومية، على احترام النقابة، وعلى احترام النقابيين، وعلى احترام العلاقة الموضوعية بين الحزب، والنقابة.

10 ـ كل الأحزاب الرجعية، واليمينية، واليمينية المتطرفة، واليسارية المتطرفة، والظلامية، والمؤدلجة للدين الإسلامي، التي تحرص على تخريب العلاقة بين الحزب، والنقابة، بالإضافة إلى ما تقوم به الدولة الطبقية، التي تنتج كل الممارسات، التي تؤدي إلى إفساد العلاقة بين الحزب والنقابة.

فالحرص على فساد العلاقة بين الحزب، والنقابة، هو ممارسة يومية، لكل من ليس من مصلحته قيام علاقة موضوعية بين الحزب الديمقراطي، أو التقدمي، أو اليساري، أو العمالي، وبين النقابة، حتى لا تصير، تلك العلاقة، في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ولمحاربة فساد العلاقة بين الحزب، والنقابة، نرى ضرورة:

1 ـ التمسك بمبادئ النقابة، المعبرة عن هويتها التنظيمية، والتي تعتبر حدا أدنى لقيام ممارسة نقابية سليمة في الواقع، من قبل الحزب، والنقابة، في نفس الوقت، والحرص المستمر على احترامها في مختلف الإطارات النقابية.

2 ـ الحرص على سلامة العلاقة بين الحزب، والنقابة، من التحريف بأشكاله المختلفة، من أجل أن يعرف الحزب:

ما هي الحدود التي يقف عندها؟

وأن تعرف النقابة:

ما هي الحدود التي تقف عندها؟

3 ـ فضح كل أشكال التحريف، التي تطفو على سطح الممارسة اليومية للعمل النقابي.

4 ـ فضح المصرين على ممارسة التحريف، في الإطارات النقابية المختلفة، ومساءلتهم، ومحاسبتهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم، إذا لم يتوقفوا عن إنتاج التحريف، الذي يخدم مصالحهم.

5 ـ فضح كل الممارسات، التي تقوم بها الأحزاب السياسية، الهادفة إلى جعل النقابة تابعة لها، أو حزبية، أو مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين.

6 ـ التصدي للممارسة البيروقراطية، أو ممارسة النزوع البيروقراطي، والقيادة الفردية للنقابة، أو ممارسة النزوع الفردي للقيادة الفردية، أو النزوع الانتهازي.

7 ـ إعداد الحزبيين، والنقابيين، على حد سواء، لمحاربة كافة أشكال الفساد النقابي، وكافة أشكال فساد العلاقة بين الحزب، والنقابة.

8 ـ الحرص على أن تصير القيادة النقابية جماعية، ضامنة لاحترام مبادئ النقابة، وحريصة على الالتزام بالبرنامج النقابي، وساعية إلى تفعيل العمل النقابي في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومصممة على انتزاع مكاسب للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومحترمة للعلاقة الموضوعية بين الحزب الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي، وبين النقابة.

9 ـ التزام النقابة بتوعية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بأوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى يتأتى لهم الانخراط، وعن وعي، في النضال النقابي، ومن خلاله، في النقابة.

10 ـ تبادل الدعم النضالي بين الحزب الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي، وبين النقابة، حتى يصير ذلك الدعم وسيلة لتقوية النقابة، ولتقوية الحزب في نفس الوقت.

ففساد العلاقة بين الحزب، والنقابة، الذي أصبح قاعدة في البلاد العربية، وخاصة في المغرب، يجب أن يحارب، وبكافة الوسائل، حتى تعود العلاقة إلى ما كانت عليه، وبشكل موضوعي، والنضال من أجل حماية العلاقة الموضوعية بين الحزب، والنقابة.

وللتخلص من فساد العلاقة بين الحزب الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي، وبين النقابة، يجب الحرص على:

1 ـ أن يلتزم الحزب بمبادئه، وبرامجه، ومواقفه السياسية، الهادفة إلى تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

2 ـ أن تلتزم النقابة بمبادئها، وببرامجها النضالية، وبالعمل المستمر على تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبالعمل المشترك، الذي تدخل فيه، لتحقيق الأهداف المشتركة، وبالنضال في إطار الجبهة النقابية، أو الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية.

3 ـ أن يحرص الحزب على احترام النقابة، وأن تحرص النقابة على احترام الحزب، حتى يتأتى لكل منهما: العمل على تقديم الدعم اللازم، الذي يوطد العلاقة بينهما.

4 ـ الحرص على التعبئة المستمرة، التي يقوم بها الحزب، والنقابة، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل تحسيسهم بضرورة الانخراط في النضال النقابي، والنضال السياسي على حد سواء، والعمل على تحسين أوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والانتقال إلى مرحلة النضال من أجل التغيير، حتى يصير الواقع في خدمة المستهدفين بالنضال النقابي، والنضال السياسي.

5 ـ الحرص على دراسة الواقع، في تجلياته المختلفة، دراسة علمية دقيقة، وتقديم نتائج تلك الدراسة إلى العموم، حتى تصير منطلقا لبناء منهجية التعامل مع الواقع، تعاملا علميا دقيقا، من اعتماد تلك المنهجية للتأثير فيه، في أفق تغييره تغييرا جذريا.

6 ـ الحرص على الاهتمام بواقع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل معرفة أوضاعهم المادية، والمعنوية، والعمل على تحسينها، حتى يتأتى استنهاضهم، من أجل الارتباط بالنقابة، وبالحزب على حد سواء.

7 ـ حماية التنظيم الحزبي، والتنظيم النقابي، من تسرب الانتهازيين، والبيروقراطيين، إلى التنظيمات الحزبية، أو النقابية، والذين يعملون على تحريف الممارسة الحزبية، والنقابية، حتى يصير التحريف في خدمة مصالحهم.

8 ـ اتخاذ الإجراءات الضرورية، للتخلص من الانتهازيين الحزبيين، والنقابيين، المتسربين إلى الحزب، أو النقابة، سعيا إلى جعلهما منتجين للممارسة الحزبية، أو النقابية، الخالية من التحريف، الذي لا يخدم مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وإذا كان عمل الانتهازيين، والبيروقراطيين، يهدف إلى جعل الحزب، والنقابة، في خدمة مصالحهما المختلفة: المادية، والمعنوية، فإن المناضلين الأوفياء في الحزب، وفي النقابة، سوف يعملون على محاربة الممارسة الانتهازية، والممارسة البيروقراطية، في الإطار الحزبي، وفي الإطار النقابي، حتى تحريرهما من الممارستين المسيئتين لهما.

وبمعالجتنا لمفهوم العلاقة، ولمفهوم العلاقة بين الحزب، والنقابة، وطبيعة هذه العلاقة القائمة في الواقع، وكيف يجب أن تصير هذه العلاقة، والشروط الموضوعية، المتوفرة لبناء علاقة موضوعية بين الحزب، والنقابة، والعمل من أجل حماية العلاقة الموضوعية بينهما، ووقوفنا على من يعمل على إفساد العلاقة بين الحزب، والنقابة، وعلى وسائل محاربة فساد العلاقة بينهما، والعمل من أجل التخلص من ذلك الفساد، نكون قد رسمنا صورة لما يجب أن يكون عليه الحزب، أو النقابة، ولما يجب أن تكون عليه العلاقة بينهما. وما هو سائد في البلاد العربية، وخاصة في المغرب كنموذج، لا يخرج العلاقة عن كونها عن كونها علاقة مبدئية، كما عالجناها، أو علاقة تبعية النقابة للحزب، كما اشرنا إليها، أو علاقة حزبية صرفة، كما استعرضناها، أو علاقة جعل النقابة مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، كما عالجناها، وفي حالة قيام بيروقراطية النقابة، فإن العلاقة بين الحزب، والنقابة، تصير غير واردة. والحزبيون العاملون في النقابة البيروقراطية، لا يؤثرون في العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، نظرا لكون البيروقراطية ترسم حدود التعامل، الذي يجب أن يحصل في إطارها، وإلا، فإن الحزبيين سوف يجدون أنفسهم خارج النقابة. إلا أن البيروقراطية، تجد نفسها مضطرة، في بعض الأحيان، للسماح للحزبيين بالتفاعل مع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، المرتبطين بالنقابة البيروقراطية، حتى توهم الرأي العام، بأنها تتفاعل مع الأحزاب التي قد تكون أحزابا يمينية: إقطاعية، أو بورجوازية، أو بورجوازية صغرى، أو يسارية، أو عمالية، أو متياسرة، أو يمينية متطرفة، في أفق جعل جميع الأحزاب، في خدمة مصالح الجهاز البيروقراطي.

واقع النقابة:

وبعد استعراضنا لمفهوم الحزب، ومفهوم النقابة، وعلاقة الحزب بالنقابة، نجد أنفسنا مضطرين إلى الوقوف على واقع النقابة:

فما هو هذا الواقع؟

وما هي السمات التي تميزه؟

وما العمل من أجل تغيير الواقع النقابي؟

وكيف يمكن أن يصير العمل النقابي متطورا، باستمرار، تبعا لتطور الواقع؟

وما هي العوامل التي يمكن أن تساعد على تطوره؟

وهل يساهم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في تطور العمل النقابي، بعد شيوع الوعي بذلك، فيما بينهم؟

وهل تقوم القيادات النقابية بمراجعة ممارساتها، المؤدية إلى إضعاف النقابة، والعمل النقابي؟

وهل يقوم الحزب الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي، بدوره في تطوير النقابة، والعمل النقابي؟

وكيف يصير واقع النقابة، وواقع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؟

إن الواقع النقابي في العالم، وفي البلاد العربية، ومنها المغرب، هو واقع يعبر عن غياب الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وعن الحيف الذي يعاني منه العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعن العقلية المتخلفة، والمتحجرة، التي أصابت القيادات النقابية، والحزبية، على السواء، وعن تكريس غياب الوعي الحقيقي، في صفوف المعنيين بالعمل النقابي، وعن غياب الإرادة الحقيقية، في صفوف المسؤولين النقابيين، من أجل جعل العمل النقابي سيد نفسه، وفي خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وفي استشراء الفساد في الأجهزة الحزبية، والنقابية، على حد سواء، وقلما نجد نقابة تسود فيها المبادئ، والضوابط التنظيمية، وقلما نجد حزبا يحترم طبيعة العلاقة التي يجب أن تقوم بين الحزب، والنقابة، وقلما نجد حزبا، أو نقابة، يهتمان معا بتوعية المستهدفين بالعمل الحزبي، أو النقابي، توعية ترفعهم إلى مستوى امتلاك الوعي بالأوضاع المادية، والمعنوية، للمجتمع برمته.

وهذا الواقع النقابي، في عموميته، لا يختلف عنه في خصوصيته، التي تختلف من بلد، إلى بلد آخر، ومن نقابة، إلى نقابة أخرى.

وما يهمنا بعد هذه الرؤيا العامة للواقع النقابي، هو الوقوف على الواقع النقابي في المغرب، الذي يعاني من من مجموعة من الممارسات التحريفية، التي تجعل منه عملا نقابيا مختلا على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص في نفس الوقت، إلى درجة أننا قلما نجد احترام النقابة لمبادئها، وقلما نسعى إلى جعل النقابة، والعمل النقابي، في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبدون الحاجة إلى تسمية نقابة معينة.

وبصفة عامة، فالواقع النقابي في المغرب، يعرف:

1 ـ تعدد النقابات، بتعدد الأحزاب، والتوجهات المعلنة، وغير المعلنة.

2 ـ سيادة التحريف، في صفوف معظم النقابات القائمة، أدت إلى أننا نبحث عن العمل النقابي الصحيح، في الممارسة اليومية، فلا نجده إلا نادرا، وفي ممارسة النقابة التي تحترم في إطارها المبادئ، والضوابط التنظيمية.

3 ـ تبعية النقابة لجهة معينة، توجهها للقيام بعمل نقابي معين، لا يخدم إلا مصالح الجهات الممارسة لتوجيه الممارسة النقابية، ضدا على المصالح الحقيقية، للمستهدفين بتلك الممارسة.

4 ـ حرص جهات متعددة، على تحزيب النقابة، والعمل النقابي، من أجل أن يصير العمل النقابي من الواجهات الحزبية، يعبر منها حزب معين إلى المستهدفين بالعمل النقابي الحزبي. ومعلوم أن الجهات المحزبة للنقابة، هي جهات تعجز، بحكم طبيعتها، عن احترام المبادئ، والضوابط النقابية، في إطار النقابة، وتدرك جيدا، أن النقابة، والعمل النقابي الصحيح، لا يخدمان مصالح الجهات المحزبة للنقابة، وتدرك، كذلك، أن النقابة، والعمل النقابي، الذي تحترم فيه المبادئ، والضوابط النقابية، يرتقي بوعي العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وأن هذا الارتقاء بالوعي، يتناقض تناقضا مطلقا، مع ما تسعى إليه الجهات المحزبة للنقابة، والعمل النقابي، التي تسعى، بالتحزيب، إلى ضرب وحدة العمل النقابي، بضرب استقلالية النقابة، وجعل النقابة، والعمل النقابي، في خدمة مصالح الطبقة المحزبة للنقابة، التي قد تكون رجعية، أو ظلامية، أو بورجوازية، أو إقطاعية، توهم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بأن النقابة الحزبية، تحرص على خدمة مصالحها.

5 ـ استغلال النقابة، من قبل قيادة نقابية معينة، من أجل الإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين. وهو ما يجعل الممارسة النقابية اليومية، لا ترقى إلى مستوى الاهتمام بمطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وفي حالة انبثاق الحزب عن النقابة، فإن النقابة تصير متحكمة في الحزب، وموجهة له، وتعتبره الواجهة السياسية للنقابة.

6 ـ بيروقراطية النقابة، التي يصير فيها العمل النقابي، في خدمة مصالح الأجهزة البيروقراطية، التي تصير بدورها في خدمة الطبقة الحاكمة، أو في خدمة الرأسمالية المحلية، والعالمية. والنقابة البيروقراطية التي تتوفر لها عوامل البقرطة، توهم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بخدمة مصالحهم، وبالعمل على تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، ولكنها، في نفس الوقت، تصر على استبلادهم، وتخطط لأجل ذلك.

 7 ـ سيادة الميوعة في العمل النقابي، إلى درجة أن الفئات المستهدفة به، تنجر، في مختلف الإضرابات التي يعلن عنها، وراء كل النقابات، كيفما كانت هويتها التبعية، أو الحزبية، أو البيروقراطية، أو الفئوية، دون اشتراط احترام مبادئ النقابة، والعمل النقابي.

8 ـ استغلال النقابة لممارسة الابتزاز على ذوي الحاجة إليها من الأفراد، وعلى الإدارة، لتحقيق التطلعات الطبقية للأفراد، والجماعات.

9 ـ التصرف في النقابة، وكأنها ملك للقائد النقابي: المحلي، أو الإقليمي، أو الجهوي، أو الوطني، مما يجعل النقابة تفقد احترام المبادئ النقابية، حتى وإن كان منصوصا عليها في أدبيات النقابة، أو كان العمل النقابي يروج لها بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

10 ـ التلاعب بمالية النقابة، من قبل المسؤولين النقابيين، الذين غالبا ما يرفضون عملية ضبط مالية المنظمة النقابية، تهربا من الحساب.

11 ـ غياب المحاسبة الفردية، والجماعية، في مختلف التنظيمات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، وحتى إن كانت هناك محاسبة، فإنها تتخذ بعدا لا علاقة له بالعمل النقابي الصحيح.

12 ـ غياب النقد، والنقد الذاتي، من أجل التقويم الفردي، أو الجماعي، في مجمل الممارسة النقابية اليومية، مما يجعل العمل النقابي يتصف بالرتابة، وعدم التطور، لأن وظيفة النقد، والنقد الذاتي، هي التقويم، والتطوير في الأداء اليومي.

13 ـ غياب الدور التحريضي، الذي تقوم به النقابة، من خلال الممارسة النقابية اليومية، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مع أن الشروط القائمة، وخاصة في صفوف القطاع الخاص، تفرض مضاعفة التحريض اليومي.

14 ـ غياب إعلام نقابي جاد، ومسؤول، يستطيع أن يشيع في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إمكانية الاهتمام بما يجري في الساحة النقابية، ومن أجل إعدادهم للانخراط في العمل النقابي.

15 ـ ضعف تفاعل البرنامج النقابي، مع التحولات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، المتطورة باستمرار,

وهذه المظاهر التي يعرفها العمل النقابي، وتعرفها النقابة، والتي نعتبرها من إفراز الواقع الموضوعي، الذي تتواجد فيه النقابة، والذي يتم ب:

1 ـ سيادة عقلية التخلف، في صفوف النخبة، التي ينتمي إليها النقابيون، الذين لا تختلف ممارستهم اليومية، عن باقي أفراد النخبة المغربية، المهووسة بتحقيق تطلعاتها الطبقية.

2 ـ تدخل الطبقة الحاكمة، بطريقة، أو بأخرى، في شؤون النقابة، ومحاولة التأثير في الممارسة النقابية، التي تنتجها، حتى تصير في خدمتها.

3 ـ غياب الحريات النقابية، أو ضعفها، أو انعدامها في القطاع الخاص، بصفة خاصة، مما يجعل العمل النقابي يعاني من قمع إدارة الدولة، وإدارات القطاع الخاص. وهذا القمع، هو الذي يجعل نسبة كبيرة من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لا يفكر أبدا في النقابة، وفي العمل النقابي.

4 ـ غياب ضمانات قانونية، لحماية النقابيين، من التعرض للتوقيف، والطرد من العمل، بسبب عدم احترام المشغلين للقوانين المعمول بها في المغرب، وخاصة قانون مدونة الشغل، وكل القرارات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

5 ـ كون الدولة المخزنية، القائمة في المغرب، دولة طبقية، منحازة إلى التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، ضدا على مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

6 ـ كون الجمعيات الحقوقية، لم ترق بعد إلى مستوى انتزاع احترام الحريات العامة، والنقابية، حتى يتأتى للجماهير العمل على احترام القوانين المعمول بها، والقرارات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

7 ـ كون النقابات، لا تربط، في ممارستها اليومية، بين النضال النقابي، والنضال السياسي، الذي يعطي للعمل النقابي، إمكانية التعامل مع ما هو سياسي، الذي يطور النقابة، والعمل النقابي.

8 ـ كون الأحزاب السياسية، لا تهتم بتطور، وتطوير النقابة، والعمل النقابي، لأن ذلك لا يخدم حرصها على جعل النقابة، والعمل النقابي في خدمتها.

وهذه السمات، وغيرها، مما لم نذكر، هي التي ساهمت في إفراز الواقع النقابي، الذي أتينا على ذكره.

وإذا حاولنا ملامسة الواقع النقابي، كما يفرض نفسه علينا، من خلال الممارسة النقابية اليومية، فإن هذا الواقع يتسم ب:

1 ـ بروز التوجه النقابي البيروقراطي التحريفي في المغرب، منذ بداية ستينيات القرن العشرين، مما يجعلها تترسخ في الممارسة النقابية، على مدى نصف قرن تقريبا، إلى درجة استعصاء القضاء عليها، مما يجعلها تتسرب إلى التنظيمات المختلفة، ما لم تتحصن بالمبادئ النقابية.

2 ـ حرص العديد من الأحزاب السياسية، على توجيه العمل النقابي، حتى يصير في خدمة مصالحها، المتمثلة في النفاذ إلى صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل ضمان أصواتهم في مختلف المحطات الانتخابية.

3 ـ لجوء العديد من الأحزاب، بما فيها الأحزاب الإقطاعية، والبورجوازية، والمؤدلجة للدين الإسلامي، وأحزاب البورجوازية الصغرى، إلى تأسيس نقاباتها، التي تنفذ برامجها في صفوف المستهدفين بالعمل النقابي.

4 ـ بروز ظاهرة تأسيس حزب من داخل النقابة، من أجل أن يتحول إلى واجهة سياسية للنقابة، والعمل النقابي.

5 ـ سيادة ظاهرة التعدد النقابي، الذي يلعب دورا أساسيا، من أجل تشرذم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حول النقابات البيروقراطية، والموجهة من قبل حزب معين، والحزبية، والفارزة لحزب معين، بالإضافة إلى النقابة التي تحترم ما تسطره من مبادئ، وضوابط تنظيمية، والفئوية، وغيرها من الدكاكين النقابية.

6 ـ شيوع ظاهرة تسطير مبادئ معينة للنقابة، والدعوة إلى احترامها، ولجوء الأجهزة النقابية إلى دوس تلك المبادئ.

7 ـ غياب التنسيق بين النقابات المتقاربة، في نقط محددة، من أدجل تحقيق أهداف محددة، لصالح المستهدفين بالعمل النقابي. وإذا قام تنسيق معين، فإنه لا يتجاوز إقليما معينا، ولا يتخذ طابع الاستمرار، ولا يتلقى الدعم اللازم من النقابات الوطنية، أو من المركزيات النقابية.

8 ـ انعدام التنسيق بين النقابات الوطنية، أو المركزيات النقابية، في نقط مشتركة، لتحقيق أهداف مشتركة، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، على المستوى الوطني.

9 ـ غياب العمل الجدي، والمسؤول، من أجل إيجاد جبهة نقابية، تحكمها مبادئ، وضوابط محددة، وتعمل وفق برنامج حد أدنى نقابي مشترك، من أجل تحقيق الوحدة النقابية، التي تترتب عنها وحدة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومن أجل تحقيق أهداف اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية.

10 ـ عدم التفكير في استجابة النقابات، للانخراط في الجبهة الوطنية، للنضال من أجل الديمقراطية، التي تدعو لها الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، وفق برنامج حد أدنى، من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

وهذه السمات، التي حاولنا الوقوف عليها، من بين سمات كثيرة، ومتعددة، تقودنا إلى القول: بأن كل نقابة تعتبر نفسها هي البديل لظاهرة التعدد النقابي، التي تقف وراء جعل النقابات تزداد انقساما، وتشرذما، وتوالدا، مع مرور الأيام, وهذا الاعتقاد خاطئ من أساسه. ولذلك نرى ضرورة الإقرار بالتعدد، ولكن يجب كذلك التفكير في سبل الحد من هذه الظاهرة، والعمل على تجاوزها، وبالطرق العلمية الدقيقة، لا من أجل وحدة العمل النقابي، بل من أجل الوحدة العمالية المطلبية، والبرنامجية، والنضالية، التي تجعل العمال يمتلكون وعيهم النضالي، الهادف إلى نقلهم إلى مستوى المساهمة في الفعل النقابي المبدئي. ولعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يحلمون باستمرار، بقيام عمل تنسيقي، أو جبهوي، بين مختلف النقابات، التي تدعي أنها تقوم على مبادئ معينة، انطلاقا من برنامج حد أدنى نقابي، من أجل استنهاض العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يبادروا إلى المساهمة في النضالات الجبهوية، الهادفة إلى الحد من همجية الاستغلال، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لجميع الكادحين، والعمل على الانتقال إلى مستوى الانخراط في النضالات، التي تقودها الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، التي تسعى إلى تحقيق التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية  العلمانية، باعتبارها دولة الحق، والقانون.

ولتغيير الواقع النقابي، الذي رصدنا أهم سماته، التي تميزه في الظرف الراهن، نرى ضرورة العمل على:

1 ـ احترام المبادئ المسطرة في أدبيات النقابة، حتى تصير تلك المبادئ مرشدة للممارسة النقابية، على المستوى التنظيمي، وعلى مستوى تصريف البرامج النقابية على أرض الواقع.

2 ـ احترام الضوابط التنظيمية، المنصوص عليها في النظام الأساسي، والداخلي، باعتبارها هي النقابة، التي تقوم على أساسها، ولضمان تفاعل النقابة مع الواقع، حتى تتمكن من التطور، والتطوير، انطلاقا مما يقتضيه الواقع المتحول باستمرار.

3 ـ الالتزام بتفعيل البرامج النقابية، في مستوياتها التنظيمية، والمطلبية، والتعبوية، والنضالية، والإشعاعية، حتى تصير النقابة وسيلة لتحريك الواقع، وخلخلته، في اتجاه تحقيق المطالب المادية، والمعنوية، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

4 ـ التأكيد على تفعيل المبادئ المنصوص عليها في الأدبيات النقابية، لأن تفعيلها يؤدي إلى استحضارها، باستمرار، في الممارسة النقابية اليومية، حتى نتجنب التناقض الذي يقع فيه النقابيون، والمتجسد في تنصيصهم على مبادئ معينة، ولكنهم في ممارستهم النقابية اليومية، ينسون تلك المبادئ،  ويستحضرون مصالحهم الشخصية، التي لا علاقة لها لا بالنقابة، ولا بالعمل النقابي، لكونها لا تؤدي إلا إلى تحقيق تطلعاتهم الطبقية. ومن هنا كان من المفروض استحضارها، حتى لا يزيغ عنها النقابيون على جميع المستويات التنظيمية: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية.

5 ـ التأكيد على التفعيل المستمر لمبدأ المحاسبة الفردية، والجماعية، في مختلف الأجهزة التقريرية، والتنفيذية، لحماية النقابة من تضخم الذات الفردية، كما هو حاصل، الآن، في مختلف النقابات القطاعية، والمركزية، مما أدى إلى غياب المسؤولية في ممارسة النقابيين، لأن المحاسبة الفردية، والجماعية، تؤدي إلى حماية النقابة، والنقابيين، من تضخم الذات الفردية، التي تذوب في الجماعة، والعمل الجماعي، وتعده لاستحضار أهمية القيادة الجماعية، في مستوياتها المختلفة.

6 ـ التأكيد على ممارسة النقد، والنقد الذاتي، الذي يستهدف الممارسة الفردية الخاطئة في العمل النقابي، لأن النقد، والنقد الذاتي، الذي يجب أن يلتزم بالموضوعية، يعمل على تقويم الشخصية الفردية، والجماعية، ويطور النقابة، والعمل النقابي في ذات الوقت، ويجعل النقابة مقصدا للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل الانخراط فيها، أو المساهمة في تفعيل برامجها، والانضباط لقراراتها النضالية.

7 ـ اتخاذ الإجراءات التأديبية، في حق كل من لم يحترم المبادئ، والضوابط التنظيمية، التي يجب التنصيص عليها في النظام الداخلي للنقابة، لأن عدم اتخاذ الإجراءات الضرورية، ضد عدم التزام النقابيين بالمبادئ، والضوابط التنظيمية، يؤدي إلى إفساد النقابة، والنقابيين، على حد سواء. وهذا الإفساد، يقف وراء النزيف الذي تعرفه النقابة، والعمل النقابي، الذي ينجزه على أرض الواقع. وهو ما يجب أن تعمل النقابة على تجنبه.

8 ـ الحرص على إعادة هيكلة الأجهزة، في مستوياتها المختلفة، وكما هو محدد في النظام الداخلي للنقابة، لأن عدم إعادة الهيكلة، لا بد أن يؤدي إلى تفسخ الأجهزة النقابية، وفسادها، ونزوعها في اتجاه الممارسة البيروقراطية، وتفشي كافة أشكال الانتهازية، في صفوف المسؤولين النقابيين، ومنهم تنتقل إلى باقي النقابيين، وكافة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

9 ـ الحرص على تكوين النقابيين، تكوينا علميا دقيقا، يمكنهم من القدرة على استيعاب، وتتبع ما يجري على المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومعرفة ما يجب عمله، من أجل جعله في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

10 ـ الحرص على تفعيل الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، وتجنب السقوط في الفصل بينهما، وتفعيل ذلك الربط في الممارسة النقابية اليومية، على جميع المستويات التنظيمية، من أجل أن يحضر ذلك الربط في التنظيم، وفي المطالب، وفي البرامج النقابية، وفي المواقف التي تتخذها النقابة من مختلف القضايا المتعلقة بما يجري في الواقع، وفي النضالات المطلبية.

فتغيير الواقع النقابي، ليس أمرا هينا، أو سهلا، وليس بالعمل الذي يتم تغييبه من الممارسة النقابية، وإلا، فإن النقابة ستبقى متخلفة عن مواكبة التحولات التي يعرفها الواقع، لينعكس ذلك سلبا على العمل النقابي الذي تنتجه، وعلى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعلى علاقة النقابة بالواقع، وبالتنظيمات النقابية الأخرى، وبالأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية. ولذلك فالحرص على تغيير الواقع النقابي، يجنب النقابة كافة المزالق، التي يمكن تجاوزها، بعملية التجديد المستمر في الممارسة النقابية اليومية.

وحتى يصير التغيير المستمر للممارسة النقابية، في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، نرى ضرورة أن تصير النقابة المتغيرة باستمرار، في خدمة مصالح العمال، وحلفائهم، عن طريق:

1 ـ التربية على الممارسة النقابية اليومية، التي لا يمكن ان تكون إلا منتجة للتطور النوعي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يصيرون مصدرا لإمداد النقابة، بالمزيد من الأطر الكفأة، التي تتحمل مسؤولية تطوير، وتطور النقابة، على المستوى التنظيمي، والمطلبي، والبرنامجي، والنضالي، من أجل قيام ذلك التطور في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، للمستهدفين بالعمل النقابي.

2 ـ التربية على حقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي يجب أن تصير بمرجعية المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وبحقوق العمال، وبحماية النقابة، والنقابيين، حتى يصير العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مهتمين بالقضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبمنظور حقيقي، يمكنهم من إدراك حرمانهم من حقوق الإنسان، في كونيتها، وفي شموليتها.

3 ـ التربية على الديمقراطية، وبمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من خلال العمل على جعل العمال يهتمون بالممارسة الديمقراطية، في العلاقة بالنقابة، وفي العلاقة فيما بينهم، وفي العلاقة بمكونات المجتمع، حتى يتحولوا إلى مصدر لإشاعة الديمقراطية في المجتمع، وتربية أبنائه عليها.

4 ـ التربية على الاهتمام بالواقع،في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لأن الاهتمام في حد ذاته، شرط التتبع، والتتبع شرط المعرفة المتواصلة، والمعرفة المتواصلة تعتبر ضرورية بالنسبة للعمل النقابي، من أجل قيام النقابة بما يجب، في اللحظة، والتو.

5 ـ حضور البعد النظري في الممارسة النقابية اليومية، التي تدعو إلى ضرورة ذلك الحضور، لتحقيق هدفين أساسيين:

الهدف الأول: تطوير الممارسة النقابية، تبعا لتطور النظرية الموجهة لها.

والهدف الثاني: تطوير النظرية، الذي تقتضيه الممارسة النقابية اليومية، الكاشفة عن القصور النظري، تجاه مستجدات الواقع، الذي تحتك به الممارسة النقابية.

وهذان الهدفان، تقتضيهما العلاقة الجدلية، القائمة بين النظرية الموجهة للممارسة النقابية، وبين الممارسة النقابية.

6 ـ حضور قيام العلاقة بين الحزب، والنقابة، على أساس الاستقلالية التامة للنقابة عن الحزب، حتى تحافظ النقابة على استقلال قرارها، الذي يجب أن تتخذه، بناء على ما تقتضيه الشروط القائمة في الواقع.

7 ـ حضور قيام العلاقة الجدلية، بين الحزب، والنقابة، وفي إطار الربط الجدلي بين النقابي، والسياسي، ولأجل أن يقوم الدعم المتبادل بين العمل النقابي، والعمل الحزبي، الذي يقف وراء استمرار قوة النقابة، وقوة الحزب في نفس الوقت.

8 ـ حضور ضرورة التعبئة المستمرة للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، نظريا، وممارسة، من أجل أن يرتقي وعيهم، وتتطور ممارستهم، الهادفة إلى تطور، وتطوير المساهمة في العمل النقابي، الهادف إلى تحسين الوضعية المادية، والمعنوية، لكل كادحي المجتمع.

ذلك أن التربية على الممارسة النقابية اليومية، وعلى حقوق الإنسان، وعلى الديمقراطية، وعلى الاهتمام بالواقع، وحضور البعد النظري في الممارسة النقابية، وقيام العلاقة بين الحزب، والنقابة، على أساس استقلالية النقابة، وقيام العلاقة الجدلية بين الحزب، والنقابة، وضرورة التعبئة المستمرة للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولجعل الواقع النقابي المتغير، يتطور باستمرار، على مستوى التنظيم، وعلى مستوى المطالب، وعلى مستوى البرامج النقابية، وعلى مستوى اتخاذ القرارات النضالية، لا بد من:

1 ـ محاربة الجمود التنظيمي، الذي تعرفه النقابة، على مستوى عقد الاجتماعات العادية، والاستثنائية في وقتها، من أجل النظر في القضايا المطروحة، وفي المستجدات القائمة في الواقع، وتقرير ما يجب، حتى تبقى النقابة حاضرة في الواقع، وفاعلة فيه، ومتفاعلة معه، وممتدة في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

2 ـ التمرس على إعادة النظر، في مجمل الممارسة النقابية، على ضوء تحولات الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وانطلاقا من التحول الذي يحصل في بنيات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى تستطيع النقابة مواكبة التطور القائم في الواقع، من أجل أن تصير تلك المواكبة أساسا لتطور النقابة، وتطوير الأداء النقابي اليومي.

3 ـ إعادة النظر في مطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، على ضوء التعميق المستمر للحيف الذي يتعرضون له، من قبل الدولة، ومن قبل الطبقة الحاكمة، ومن قبل الباطرونا، وبسبب الزيادة المستمرة في أسعار المواد الاستهلاكية، التي لا يراعي مقرروها انعكاسها السلبي على الكادحين، مما يجعل إعادة النظر في المطالب المادية، والمعنوية للنقابة، ضرورة موضوعية، تقتضي التفعيل المستمر، حتى تعتمد في مواجهة الاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية للطبقة الحاكمة، ولأجهزتها القمعية,

4 ـ إعادة النظر في البرامج النقابية، من أجل الارتقاء بها، إلى مستوى ما يقتضيه التحول القائم في الواقع، حتى تصير النقابة، ببرامجها، فاعلة فيه، ومتفاعلة معه، ومؤثرة بذلك في العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ورغبة من النقابة، في أن تصير البرامج وسيلة لتفعيل الأداء النقابي.

5 ـ تفعيل الأجهزة التقريرية للنقابة، في مستوياتها المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، حتى تصير قراراتها كذلك متطورة، وفاعلة في الواقع، ومفعلة له، ومستجيبة لحاجيات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومحفزة لوعيهم، حتى يحضر اهتمامهم بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن أجل أن يرتقي وعيهم إلى مستوى الوعي بالذات، الذي يعتبر مدخلا لامتلاك الوعي الطبقي. فتفعيل الهيئات التقريرية، يجعل جميع النقابيين مساهمين في اتخاذ القرارات، التي تقتضيها شروط موضوعية معينة، ومن خلال النقابيين، يساهم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في اتخاذ تلك القرارات، التي لا تخدم إلا مصالحهم المادية، والمعنوية.

ولذلك نجد، أن محاربة الجمود التنظيمي في النقابة، والتمرس على إعادة النظر، في مجمل الممارسة النقابية، وإعادة النظر في المطالب النقابية، وفي برامجها، وتفعيل الأجهزة التقريرية، تقف باستمرار، وراء جعل الواقع النقابي متغيرا، ومتطورا باستمرار، مما يجعله أكثر فعلا في الواقع، وأكثر تأثيرا فيه، وهو ما ينعكس إيجابا على واقع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وانطلاقا مما رأينا، فإنه بالإمكان أن يصير الواقع النقابي متطورا باستمرار، تبعا لتطور الواقع، ونظرا للعلاقة الجدلية القائمة بين النقابة، والواقع فإن العمل النقابي، يصير كذلك متطورا باستمرار، وتبعا لذلك تصير النقابة كذلك متطورة باستمرار:

1 ـ على مستوى البنيات التنظيمية: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، من أجل صيرورة تلك البنيات ديمقراطية، وتقدمية، وجماهيرية، ومستقلة، ووحدوية، حتى تستجيب لحاجيات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من خلال إحداث التفاعل العميق بين النقابة، وبين المستهدفين بها.

2 ـ على مستوى جعل المطالب النقابية، تجسد الإرادة، وطموح الكادحين المستهدفين بالعمل النقابي، من أبناء الشعب المغربي، حتى يصير ذلك التجسيد شكلا من أشكال التعبئة التلقائية لهم، من أجل الانخراط المباشر في النضالات المطلبية، التي تخوضها النقابة.

3 ـ على مستوى جعل البرنامج النقابي وسيلة ناجعة، لتعبئة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يصيروا مستعدين لخوض أي معركة نقابية، تدعو إليها النقابة، في أي مستوى من مستوياتها التنظيمية، لفرض الاستجابة للمطالب المطروحة، لخوض الصراع من أجل تحقيقها.

4 ـ على مستوى رفع مستوى وعي العمال بأوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في افق تحول ذلك الوعي، إلى وعي طبقي، عن طريق تحويل المقرات النقابية، إلى مقرات للتكوين، والتكوين المستمر للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وللنقابيين الذين صاروا يفتقدون أي شكل من اشكال التكوين العام، أو النقابي.

5 ـ على مستوى اتخاذ القرارات، التي يجب أن تصير معبرة عن طموحات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يصير التعبير عن طموحاتهم وسيلة تعبوية أساسية، تحفز جميع الكادحين، إلى الانخراط التلقائي، في المعارك النضالية المطلبية، التي تخوضها النقابة.

6 ـ على مستوى تحول النقابة إلى مركز، ومنطلق لقيام إشعاع نقابي رائد في المجتمع، لالتزام النقابة بالمبادئ، وبالمطالب، وبالبرامج المسطرة، ولإخلاصها في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وهو ما يجعلها، كذلك. وانطلاقا من قيامها بالربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، فإنها تشكل نقطة تحول، في اتجاه جعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مرتبطين بالأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، التي يعمل مناضلوها في النقابة.

7 ـ على مستوى إعداد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، للانخراط في النضال، الناتج عن وجود عمل مشترك بين النقابات، في إطار التنسيق، أو التحالف، أو الجبهة النقابية، مما تقتضيه ظروف معينة، خاصة بالإقليم، أو الجهة، أو على المستوى الوطني، في أفق قيام وحدة نقابية هادفة.

8 ـ على مستوى إعداد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل الانخراط في النضال الذي تقوده الجبهة الوطنية، للنضال من اجل الديمقراطية، نظرا لكون تحقيق الديمقراطية، وبمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، يعتبر مهمة الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، وهمة النقابات، والجمعيات الحقوقية، والثقافية، وكل المكونات المبدئية، والنظيفة، والمخلصة للشعب المغربي.

ولذلك، فصيرورة العمل النقابي متطورا، لا يمكن أن يصير إلا مستجيبا لتطور الواقع، في تجلياته المختلفة، كما أنه لا يمكن أن يصير إلا وسيلة لتطور، وتطوير العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وهو ما يعني تطور النقابة على جميع المستويات، التي أتينا على ذكرها.

والعوامل التي تساعد على تطور النقابة، والعمل النقابي في نفس الوقت، تتمثل في:

1 ـ العامل التنظيمي، المتجسد في احترام مبادئ النقابة، والعمل النقابي، وفي مقدمتها: الديمقراطية الداخلية، واستقلالية النقابة عن أي جهة، تسعى إلى جعلها تابعة لها.

2 ـ الإلمام المستمر بتحولات الواقع: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ومدى انعكاس ذلك الواقع سلبا، أو إيجابا، على واقع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وما مدى توظيفه في تفعيل مختلف الآليات المنتجة لعمل نقابي رائد.

3 ـ إيجاد آليات متطورة، ومتقدمة، لإنتاج عمل نقابي متطور، ومناسب، ومتناسب مع تحولات الواقع، حتى لا تبقى النقابة، والعمل النقابي، متخلفة، ومتخلفا. ذلك أن ابتداع آليات متطورة، ومتقدمة، صار ضرورة نقابية مستمرة، وإلا، فإن النقابة، والعمل النقابي، سيصيران شيئا آخر، لا علاقة له لا بالنقابة، ولا بالعمل النقابي، كما هو حاصل في معظم النقابات القائمة في المغرب.

4 ـ قيام تواصل مستمر بين النقابة، وبين العمال، وباقي الأجراء وسائر الكادحين، من أجل أن يصيروا على علم بما يجري في الساحة النقابية، ومن أجل أن يساهموا في تطور النقابة، والعمل النقابي، بالمقترحات التي يقدمونها، ومن أجل المساهمة في تفعيل القرارات النضالية، التي تتخذها النقابة.

5 ـ التواصل مع النقابات، التي تحترم مبادئ التنظيم النقابي، من أجل تبادل الرأي، حول الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي يعيشها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في أفق بلورة قواسم مشتركة بين النقابات، يمكن أن تصير موضوعا للقيام بعمل مشترك، ولتبادل الخبرات، التي تفيد مختلف النقابات، وعلى جميع المستويات.

6 ـ التواصل مع الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، من أجل الاستئناس برأيها، في مجمل الممارسة النقابية، ولضمان دعمها في المحطات، التي تخوض فيها النقابة معارك نضالية معينة، بهدف انتزاع مكاسب معينة، وفي أفق إنضاج شروط القيام بعمل مشترك، تنخرط فيه الأحزاب، والنقابات على حد سواء، وفي إطار جبهة وطنية للنضال من أجل تحقيق الديمقراطية.

وهذه العوامل، وغيرها، مما لم نذكر، لا يمكن أن تكون إلا مساعدة على تطور، وتطوير النقابة، والعمل النقابي، تنظيما، وبرنامجا، ومواقف، وأداء، حتى تمتلك النقابة الريادة في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وتطور النقابة، والعمل النقابي، لا يمكن أن يصير إلا خدمة لكادحي الشعب المغربي، عن طريق انتزاع مكاسب تؤدي إلى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، وإلى التخفيف من حدة الاستغلال لصالحهم، والعمل على إعدادهم، لامتلاك الوعي النقابي الصحيح، الذي يعتبر شرطا لامتلاك وعي طبقي حقيقي، يقودهم إلى المساهمة في تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، تغييرا شاملا، حتى يصير الاستغلال الممارس على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في ذمة التاريخ.

والعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، عندما يقتنعون بدور النقابة، والعمل النقابي، لصالح مستقبل الكادحين، لا بد أن يساهموا، بعد امتلاكهم للوعي النقابي الصحيح، في تطور، وتطوير النقابة، والعمل النقابي، عن طريق:

1 ـ الانخراط الواسع، لمختلف القطاعات العمالية، وقطاعات باقي الأجراء، وسائر الكادحين، في صفوف النقابة، من أجل صيرورتها نقابة قوية، باعتبارها نقابة ديمقراطية، تقدمية، جماهيرية، مستقلة، ووحدوية.

2 ـ مساهمة مختلف القطاعات، المنخرطة في النقابة، في هيكلة نفسها، أو في إعادة هيكلة المركزية النقابية، وفي إعداد الملفات المطلبية، والبرامج النضالية، التي تلتزم النقابة بتفعيلها: قطاعيا، ومركزيا.

3  ـ مساهمة مختلف القطاعات، في تنفيذ القرارات النضالية، التي تتخذها النقابة قطاعيا، ومركزيا: محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، من أجل فرض الاستجابة لمطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

4 ـ التعامل مع النقابة، كإطار للتكوين، والتكوين المستمر، فيما يخص تدبير الملفات المطلبية، وإعداد البرامج النضالية، والتفاوض الجماعي، مما يكسب النقابة كثافة من الأطر الفعالة، التي تحتاج إليها النقابة.

5 ـ اعتبار النقابة الملتزمة بمبادئها، مصدرا لامتلاك الوعي النقابي الصحيح، الذي يعتبر شرطا لارتباط العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بالنقابة، وبالعمل النقابي.

6 ـ صيرورة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مصدرا للإشعاع النقابي، في صفوف أفراد الشعب، أنى كان هذا الشعب، وخاصة الشعب المغربي.

وهكذا، يتبين أن شيوع الوعي النقابي الصحيح، بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يلعب دورا أساسيا، في جعلهم يرتبطون بالنقابة، التي تلتزم بالديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، وأنه بدون ذلك الاحترام، يبقى الوعي النقابي الصحيح غائبا، وأن احترام المبادئ، يقتضي تطهير النقابة من الانتهازيين، الذين يفسدون العلاقة مع المعنيين بالعمل النقابي الصحيح، وأن تصحيح العلاقة بين النقابة، وبين المستهدفين بها، يقتضي تصحيح الممارسة النقابية، حتى تحافظ النقابة على مكانتها في المجتمع.

ولأجل أن تحافظ النقابة على مكانتها في المجتمع، لا بد أن تقوم القيادات النقابية محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، بمراجعة نفسها، كأفراد، وكأجهزة تنفيذية، وتقريرية، حتى تتجنب المزالق التي تؤدي إلى إفساد علاقتها بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وقيام القيادات النقابية، بمراجعة مسلكيتها، يقتضي منها:

1 ـ أن تقوم باحترام المبادئ، والضوابط القانونية للنقابة، والحرص المستمر على فرض احترامها على جميع المستويات التنظيمية، في العلاقة مع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين,

2 ـ الحرص على أن تصير إعادة الهيكلة، بطريقة ديمقراطية، تحترم فيها الديمقراطية الداخلية، وعلى جميع المستويات التنظيمية.

3 ـ العمل على أن تتبنى النقابة المطالب، والبرامج، وأن تتخذ القرارات بطريقة ديمقراطية، وفي إطار الهيئات التقريرية، في مستوياتها المختلفة.

4 ـ التزام القيادة، بقيادة النضالات المطلبية، وبأجرأة البرامج النضالية، وبتنفيذ القرارات المتخذة، على المستويات التنظيمية المختلفة، احتراما لإرادة القواعد النقابية.

5 ـ فتح المقرات النقابية، على جميع المستويات، أمام العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ودعوتهم لحضور العروض التكوينية، فيما يخص النقابة، والعمل النقابي، حتى يصير ذلك التكوين وسيلة لامتلاك وعي نقابي صحيح، يجعلهم يحرصون على حماية النقابة، والنقابيين، من كل أشكال التحريف.

6 ـ تنظيم العلاقة مع النقابات الأخرى، ومع باقي التنظيمات الجمعوية، والحزبية، على أسس ديمقراطية، بعيدا عن فرض علاقات معينة على النقابيين، وسعيا إلى احترام إرادة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

7 ـ تأسيس التنسيقيات، والتحالفات، والجبهات النقابية، على أساس احترام المبادئ، والضوابط التنظيمية النقابية، المعتمدة في النقابة، إضافة إلى احترام إرادة النقابيين، والعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

8 ـ اشتراط قيام تفاعل مع الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، على أساس احترام المبادئ، والضوابط التنظيمية للنقابة، وأن تلتزم الأحزاب المتفاعلة مع النقابة، بعدم التدخل في شؤون النقابة.

9 ـ الحرص على العمل الوحدوي، على مستوى طرح المطالب، وتفعيل البرامج، واتخاذ القرارات، حتى يصير ما تقوم به النقابة جاذبا لكافة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل أن تصير النقابة، والعمل النقابي، ضامنين للوحدة النقابية المبدئية، قبل البحث عنها، من خلال التنسيقيات، والتحالفات، مع النقابات الأخرى.

10 ـ الحضور المستمر للبرنامج التعبوي: القطاعي، والمركزي، الذي تلتزم القيادات النقابية بتفعيله، على جميع المستويات التنظيمية.

وحرص القيادات النقابية على احترام المبادئ، والضوابط التنظيمية، وعلى أن تصير إعادة الهيكلة بطريقة ديمقراطية، حاضرة باستمرار، وعلى أن تصير برامج النقابة، والعمل النقابي، والقرارات النقابية، متخذة بطريقة ديمقراطية، وعلى التزامها بقيادة النضالات المطلبية، وبأجرأة البرامج النضالية، وبفتح المقرات النقابية، أمام المستهدفين بالعمل النقابي، وبتنظيم العلاقة مع النقابات الأخرى، على أسس ديمقراطية، وبتأسيس التنسيقيات، والتحالفات، والجبهات النقابية، على أسس ديمقراطية، وباشتراط قيام تفاعل بين النقابات، والأحزاب التي تجمعها بالنقابة قواسم مشتركة، على أساس الاحترام المتبادل فيما بينها، وبالحرص على العمل الوحدوي، وبالحضور المستمر للبرنامج التعبوي، يجعل القيادة النقابية في مستوى المرحلة، التي تمر منها النقابة، والعمل النقابي، وفي مستوى قيادة النقابة. وهو ما يساهم بشكل كبير، في اعتبار القيادة النقابية، قيادة جماعية.

وفي هذا الإطار، لا بد أن يقوم للحزب الديمقراطي، أو التقدمي، أو اليساري، أو العمالي، دور في تطور، وتطوير النقابة، والعمل النقابي، من منطلق أن النقابة تنتج عملا نقابيا مبدئيا، يعتبر مكملا، ومتفاعلا مع عمل هذه الأحزاب، ومتطورا به، ومطورا له، كما أنه جزء لا يتجزأ من النضال الديمقراطي العام، في المجتمع، إذا كان العمل النقابي صحيحا، ومبدئيا، ولا يتوخى غير مصلحة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؛ ولأنه لولا العمل النقابي الصحيح، ولولا الرهان الكبير للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين عليه، ما كان الحلم بتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مطروحا من بين المطالب النقابية، والحقوقية، على حد سواء.

ومن أجل أن تنجز الأحزاب دورها الإيجابي، والكامل، لتطوير النقابة، والعمل النقابي، فإن على هذه الأحزاب:

1 ـ احترام التنظيم النقابي، بمبادئه، وبمطالبه، وببرنامجه، وبمواقفه، وبنضالاته الميدانية، حتى يترسخ ذلك الاحترام، في العلاقة مع النقابة، ومن أجل تكريس استقلاليتها على أرض الواقع، من أجل أن يصير التنظيم النقابي سيد نفسه.

2 ـ دعم النقابة، والعمل النقابي الذي تنتجه، بدون قيد، أو شرط، حتى تستقوي النقابة بذلك الدعم، غير المقيد، وغير المشروط، حتى تصير للنقابة المكانة المتوخاة، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وأمام إدارة الدولة، وإدارة القطاع الخاص، في نفس الوقت، ومن اجل أن تسعى النقابة إلى اعتماد ذلك الدعم، اللا مقيد، واللا مشروط، لتطوير نفسها، بما يتناسب مع طموحات المستهدفين بالنقابة، وبالعمل النقابي.

3 ـ تقديم الدعم المادي، والمعنوي للنقابة المناضلة، القطاعية، أو المركزية، بدون قيد، أو شرط، من أجل فك العزلة، التي يمكن أن تضرب على النقابة، حتى تحافظ على مستوى أدائها في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

4 ـ تنظيم جمع الدعم في صفوف الحزبيين، والمتعاطفين مع الحزب، لصالح النقابيين المتضررين، وبدون قيد، أو شرط، حتى يساهم الحزب بذلك الدعم، بالتخفيف من حدة الألم، الذي يعاني منه المتضررون من العمل النقابي، هم، وأسرهم، ومن أجل أن يعتبر كل ذلك، وسيلة لجعلهم يدركون، بأن الحركات المناضلة في المجتمع، تتضامن معهم، وتقاسمهم آلامهم، وترفع من معنوياتهم.

5 ـ تجنب فرض تبعية النقابة للحزب، أو تحزيبها، أو جعلها مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، من قبل القيادة النقابية، أو العمل على قطع العلاقة بين الحزب، والنقابة، نظرا للممارسة البيروقراطية، أو ما يشبهها.

6 ـ تفعيل البرامج الحزبية، ذات البعد الاجتماعي، من أجل أن يصير في خدمة تفعيل البرامج النقابية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وحتى يحدث ذلك التفعيل تفاعلا إيجابيا، بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

7 ـ توجيه مناضلي الحزب الديمقراطي، أو التقدمي، أو اليساري، أو العمالي، إلى ضرورة الحرص على تفعيل مبادئ النقابة، وفرض احترامها، إلى جانب احترام أجرأة الضوابط التنظيمية، والقانونية، القائمة في النظامين: الأساسي، والداخلي، لتكريس الاستقلالية التامة للنقابة، عن أية جهة، بما في ذلك الحزب، أو الأحزاب الداعمة لها.

8 ـ الانطلاق في العلاقة مع النقابة، على أن المهم عند الحزب، هو أن تصير النقابة قوية، وقادرة على انتزاع المزيد من المكاسب، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وأن تصير قوة النقابة، قوة لهم، ومصدرا لتحقيق المزيد من طموحات المستهدفين بالعمل النقابي.

9 ـ دعم أي تنسيق، أو تحالف، أو جبهة، تقدم عليه النقابات، التي تجمعها قواسم مشتركة، أو يفترض فيها أنها كذلك، حتى يصير كل ذلك قوة مادية، ومعنوية، للمستهدفين بالعمل النقابي، وفي أفق أن يصير التنسيق، التحالف، أو الجبهة، وسيلة لفرض تحقيق البرنامج المشترك، موضوع النضال المشترك.

10 ـ فسح المجال أمام النقابة المبدئية، والمناضلة، أو أي نقابة أخرى، كذلك، من أجل المساهمة في بناء الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، على مستوى الهيكلة، وعلى مستوى صياغة برنامج الحد الأدنى، وعلى مستوى النضالات، إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، كأهداف كبرى، تضع حدا لكل أشكال الحيف، التي تلحق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وليعرف المجتمع التخلص من الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.

ولذلك، يبقى الدور الإيجابي للحزب الديمقراطي، أو التقدمي، أو اليساري، أو العمالي، في تطور، وتطوير النقابة، وإرادة الالتزام بالخطوات التي أتينا على ذكرها، وفي نفس الوقت، لإنضاج الشروط الموضوعية القائمة في الواقع، حتى يقوم تفاعل إيجابي بين الحزب، والنقابة، من أجل أن يصيرا معا في خدمة مصالح الكادحين.

وانطلاقا مما رأينا في الفقرات السابقة، فإن واقع النقابة، وواقع العمل النقابي، وواقع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، سيصير شيئا آخر، مختلفا عن السابق، وسيتحول العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى:

1 ـ حاملين للوعي النقابي الصحيح، الذي يدفعهم إلى الارتباط بالنقابة، والانخراط في نضاليتها، والالتحاق بالمنخرطين في تنظيماتها، وتحمل المسؤولية في أجهزتها، وقيادة تلك الأجهزة، والعمل على حماية مبادئ النقابة، وتفعيل ضوابطها التنظيمية، والحرص على أن تصير برامجها مفعلة باستمرار، والدفع في اتجاه اتخاذ القرارات اللازمة، في المكان، وفي الزمان المناسبين، ومواجهة كل من يعمل على النيل من النقابة، التي تحترم مبادئها، واعتماد النقابة، لانتزاع المزيد من المكتسب المادية، والمعنوية، ومواجهة الأعداء الطبقيين، المستغلين للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

2 ـ حريصين على امتلاك الوعي بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي يعيشونها، واعتماد ذلك الوعي في بناء الملفات المطلبية، وتطوير تلك الملفات، بما يتناسب مع تحولات الواقع، موضوع الوعي، سعيا إلى صيرورة المطالب التي يطرحها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في مستوى الاستغلال الممارس، من قبل الطبقة الحاكمة، وباقي الطبقات الممارسة للاستغلال، وسائر المستفيدين منه.

3 ـ مناضلين من أجل تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، إلى جانب تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، لمجموع أفراد المجتمع الكادح.

4 ـ ملتزمين في ممارستهم، بالربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، حتى يصير ذلك الربط، وسيلة للارتقاء بالوعي النقابي الضيق، إلى وعي سياسي متطور، يجعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ينخرطون في العمل السياسي المباشر، ويعملون على تأطير أنفسهم سياسيا، حتى يساهموا في إعادة الاعتبار إلى الوعي السياسي المتقدم، والمتطور، والهادف، إلى جعل الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في خدمة مصالحهم.

5 ـ حامين للنقابة الملتزمة بمبادئها، وللعمل النقابي الصحيح، حتى تبقى النقابة قوية، ويبقى العمل النقابي نظيفا، من كل أشكال الفساد النقابي، التي أصبحت ممارسة يومية للنقابيين الفاسدين، مهما كانت النقابة التي ينتمون إليها، وباسم النقابة الفاسدة، واللا مبدئية.

6 ـ مطهرين للنقابة، من كل أشكال الانتهازية، وعاملين على مواجهة الانتهازيين، على المستويات المطلبية، والبرنامجية، والتنظيمية، والنضالية، حتى لا تخضع النقابة للانتهازيين، ومن أجل أن لا تتحول إلى إطار نقابي فاسد.

7 ـ حريصين على تقويم المسار النقابي المبدئي، حتى يحافظ على مبدئيته، وسعيا إلى قيام ممارسة نقابية مبدئية متطورة، ومتفاعلة مع تجليات الواقع، حتى تصير إطارا لإعداد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل أن يرتبطوا بالعمل النقابي، وعن وعي به، وبتفاعله، وبتأثيره على واقع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

8 ـ غير ممتثلين لتبعية النقابة، أو حزبيتها، أو اعتبارها مجرد إطار للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، أو بيروقراطية، وعاملين في نفس الوقت، على محاربة كل ذلك، حتى تستمر النقابة على احترام مبادئها، التي تتمثل في الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية.

وهذه المظاهر، التي تصير مرتبطة بمسلكية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبممارستهم اليومية، التي تجعلهم في مستوى التحول، الذي يعرفه الواقع. وهو ما يقتضي صيرورتهم، في مستوى مواجهة مختلف التحديات القائمة في الواقع، في أفق تحويل النضال النقابي، إلى نضال عمالي، ثم إلى نضال مجتمعي، يسعى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ليتحول النضال المجتمعي، إلى نضال من أجل حماية المكتسبات، والعمل على تجذيرها في الواقع، وتطويرها.

آفاق النقابة والعمل النقابي:

وبعد تناولنا لواقع النقابة على مستوى المفهوم، وعلى مستوى السمات، التي تميز الواقع النقابي، وتوضيحنا للخطوات التي تؤدي إلى تغيير الواقع النقابي، والعوامل التي تجعل العمل النقابي في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وللكيفية التي تجعل الواقع النقابي يتطور باستمرار، ولجعل العمل النقابي يتطور تبعا لتطور الواقع، وللعوامل التي تساعد على تطوره، ولمساهمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في تطوير العمل النقابي، بعد شيوع الوعي بذلك فيما بينهم، ولضرورة قيام القيادات النقابية، بمراجعة ممارساتها المؤدية إلى إضعاف النقابة، والعمل النقابي، ولدور الحزب الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي، في إنضاج شروط تطور النقابة، والعمل النقابي، ولمصير واقع النقابة، وواقع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذي يعرف هو بدوره تطورا، وتطويرا، نتناول في الفقرات التالية، آفاق النقابة، والعمل النقابي.

فماذا نقصد بالآفاق؟

وما المراد بآفاق النقابة؟

وما المقصود بآفاق العمل النقابي؟

وهل يمكن أن يصير الأفق واضحا للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؟

هل يصير أفق النقابة واضحا لهم؟

هل يصير أفق العمل النقابي كامل الوضوح؟

هل تتضح الرؤيا للقواعد النقابية؟

أم أن هذه القواعد تبقى مجرد روبو تحركه أهواء النقابيين، لخدمة مصالحهم الخاصة؟

وهل يمكن أن يقوم في النقابة انسجام بين القيادة، والقواعد النقابية؟

هل تحرص النقابة على احترام المبادئ، والضوابط التنظيمية، التي أقرتها أجهزتها التقريرية؟

هل تحرص بملفاتها المطلبية، وببرامجها، وبمواقفها النضالية، وبقراراتها الجريئة، والمتواصلة، على أن تصير نقابة كفاحية؟

هل تحرص النقابة على الاستجابة لمطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؟

وما هي العوامل التي تحول دون انفتاح الآفاق أمام النقابة، والعمل النقابي؟

وهل هي عوامل ذاتية؟

هل هي عوامل موضوعية؟

وكيف يمكن التغلب على العوامل المعرقلة لانفتاح آفاق النقابة؟

وهل تعود للنقابة، وللعمل النقابي، مكانتهما بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بعد انفتاح الآفاق أمام النقابة، والعمل النقابي؟

وهل يصير ذلك الانفتاح جاذبا للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل ارتباطهم بالنقابة، ومساهمتهم في تفعيل العمل النقابي؟

إن أفق النقابة، والعمل النقابي، رهين بالنقابة كتنظيم، وبالعمل النقابي كمنتوج لذلك التنظيم، وبالشروط الموضوعية التي تتفاعل معها النقابة، وبمستوى وعي العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبمساهمتهم اليومية في الأداء النقابي، وبحرص النقابة في علاقتها بالإدارة في القطاعين: العام، والخاص، على فرض تلبية مطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل أن تصير لها الريادة في قيادة نضالات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والمقصود بالآفاق، كل التصورات العلمية، وغير العلمية، التي يمكن تحقيقها على أرض الواقع، سواء تعلق الأمر بالآفاق الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الثقافية، أو السياسية، أو بالجماعات، أو بالأقاليم، أو بالجهات. ولأن التصورات القائمة في كل مجال، يمكن اعتباره منطلقا لبرمجة ما يجب عمله، لتحقيق التصورات المتعلقة بذلك المجال.

والتصورات التي تحكم آفاق المستقبل، يمكن تصنيفها إلى مستويين:

مستوى التصورات المستقبلية، القائمة على أساس الدراسة العلمية للواقع، في تجلياته المختلفة. وهذه التصورات، لا يمكن أن تكون إلا علمية، واعتمادها في برمجة ما يجب عمله، يعتبر اعتمادا علميا، وأجرأة تلك البرمجة، لا يمكن أن تفعل إلا في إطار العمل على تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، تغييرا علميا. والتغيير العلمي، لا يمكن أن يصير إلا في صالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

مستوى التصورات المستقلة، القائمة على أساس الأهواء الإقطاعية، أو البورجوازية، أو البورجوازية الصغرى، أو المتوسطة، أو اليمينية المتطرفة، أو اليسارية المتطرفة، وما بني على أساس الأهواء، لا يمكن أن يقود إلا إلى المزيد من التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأن التصورات القائمة على أساس الأهواء، لا تخدم إلا مصالح التوجهات الواضعة لها، ولا تخدم، أبدا، مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وبالنسبة إلينا في البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، وخاصة في المغرب، فإن التصورات المعتمدة في صياغة البرامج المستقبلية، هي تصورات قائمة على الأهواء. ولذلك نجد أن أجرأة البرامج الموضوعية، انطلاقا منها، لا يمكن أن تخدم إلا مصالح الحاكمين، ومصالح الطبقات التي تدور في فلكهم، ومصالح باقي المستغلين، وكل ممارسي الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ليصير العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في قاع المجتمع، ومستهدفين بكل اشكال التخلف، حتى لا يجرؤوا على امتلاك الوعي الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ومن أجل أن لا يفكروا في الارتباط بالتنظيمات الجماهيرية المناضلة، وفي مقدمتها التنظيم النقابي المبدئي، والكفاحي.

وفيما يخص التصورات المعتمدة في التنظيمات الجماهيرية، فإننا نجد أنها كذلك، لا تقوم إلا على أهواء المتحكمين في تلك التنظيمات، التي يسخرونها، لا لخدمة مصلح الجماهير المستهدفة بها ظاهريا، بل لخدمة مصالح أولئك المتحكمين فيها، من أجل تحقيق تطلعاتهم الطبقية؛ لأننا لا زلنا نعاني من تسرب عقلية البورجوازية الصغرى، المتسربة إلى الأجهزة القيادية، في مختلف التنظيمات الجماهيرية، التي صارت تحت رحمة المرضى بتحقيق تطلعاتهم الطبقية، وبطريقة انتهازية فجة.

أما فيما يخص التصورات المعتمدة في النقابات، فإننا نجد أنها محكومة بتصورات:

أولا: القيادات النقابية البيروقراطية، المتحكمة في كل الأجهزة، والمسخرة لها، من أجل خدمة مصالحها، والتي لا تفسح المجال، أبدا، لاعتماد الممارسة الديمقراطية، في التنظيم، وفي تدبير الملفات النقابية، فلا شيء يعلو فوق إرادة القيادة النقابية: البيروقراطية، التي تضع تصورا لمستقبل النقابة على هواها، لضمان صيرورة النقابة، كما تتصورها.

ثانيا: القيادات النقابية الحزبية، التي تعتمد التصور الحزبي، لمستقبل النقابة الحزبية، والتي لا يمكن أن تكون إلا منفذة للقرارات الحزبية، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل تضليلهم، وتوهيمهم، بأن النقابة الحزبية، هي البديل للنقابة البيروقراطية. والواقع، أن النقابة الحزبية، تبقى، وكما هي دائما، في خدمة تحقيق الأهداف الحزبية، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يصيرون، بحكم انخراطهم في النقابة، وارتباطهم بها، منخرطين في الحزب كذلك، ومرتبطين به، حتى وإن كانت خطة الحزب السياسية، ضد مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ثالثا: القيادة النقابية التابعة لحزب معين، أو لجهة معينة، تحرص على الالتزام بالتوجيهات التي تتلقاها، وتعد النقابيين من أجل الالتزام بتلك التوجيهات، على جميع المستويات: التنظيمية، والمطلبية، والبرنامجية، والمواقفية. وقيادة كهذه، إذ تلقت التوجيه، لتجميد العمل النقابي، تسرع إلى الالتزام به، ودون تردد، ومهما كانت خطورة انعكاس ذلك على المستهدفين بالعمل النقابي، ما دامت القيادة النقابية، تتمتع بامتيازات لا حدود لها، وما دامت النقابة لا تخدم إلا مصالح الجهة الموجهة: حزبا، أو دولة.

رابعا: القيادة النقابية، التي تحرص على أن تصير النقابة مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، يصير في خدمة القيادة النقابية، على المستوى السياسي، خاصة، وان حزبا كهذا، لا يمكن ان يصير حزبا عماليا؛ لأن أيديولوجيته غير واضحة، وتصوره التنظيمي غير واضح، ومواقفه السياسية متذبذبة، تتلقى التوجيه من القيادة النقابية، ولا يستطيع أن يقدم، أو يؤخر، إلا بإرادتها.

خامسا: القيادة النقابية الحريصة على احترام المبادئ النقابية، والضوابط التنظيمية، مما يجعل النقابة متحررة من البيروقراطية، ومن التبعية لحزب معين، أو لأجهزة الدولة، وترفض أن تصير النقابة مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين. وهذه القيادة النقابية، هي التي تحمل التصور العلمي لما يجب أن يكون عليه العمل النقابي، تنظيميا، ومطلبيا، وبرنامجيا، ونضاليا، حتى تصير النقابة، فعلا، في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعاملة على التخفيف من حدة الاستغلال المادي، والمعنوي، الذي يتعرضون له، بصفتها كنقابة مبدئية، أو في إطار التنسيق بين النقابات، أو في إطار التحالف فيما بينها، أو في إطار قيام جبهة نقابية، أو في إطار انخراط النقابة في الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، مادام العمل النقابي الذي تنتجه النقابة المبدئية، يربط ربطا جدليا بين النضال النقابي، والنضال السياسي.

وهذه التصورات النقابية المتناقضة، والتي لا علاقة لمعظمها بالعمل النقابي الصحيح، هي السائدة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، وخاصة في المغرب، حيث نجد استفحال تجذر الفساد في الواقع النقابي، كما يجعل أي نضال ضد الفساد في المجتمع، يجب أن يستهدف، كذلك، الفساد المتفشي في النقابات، من أجل تطهيرها منه.

وعلى النقابيين المخلصين للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أن يعملوا على بلورة تصور متكامل، لمحاربة الفساد في النقابات، على جميع المستويات، حتى تصير النقابات مخلصة، في خدمة المصالح التي تهم المستهدفين بالعمل النقابي.

وبالنسبة للتنظيمات الحزبية، فإن تصوراتها المستقبلية، التي تختلف من حزب إلى حزب آخر، تنسجم مع الطبقة التي يعبر الحزب عن مصالحها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

فالحزب الإقطاعي، يحمل تصورا مستقبليا، يسعى إلى وصول الحزب إلى السلطة، من أجل تسخير أجهزة الدولة، ومؤسساتها التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، لخدمة مصالح الطبقة الإقطاعية، وكل من يدور في فلكها، وحماية تلك المصالح، وتمكين الإقطاعيين من التمتع بالمزيد من الخيرات، على حساب تعميق إفقار الفقراء، من الفلاحين الصغار، والمعدمين، والعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وضمان الاستمرار في ذلك الإغناء المتسارع.

والحزب البورجوازي، كذلك، يحمل تصورا يهدف إلى الوصول إلى السلطة، من أجل تسخير مؤسساتها، لخدمة مصالح البورجوازية، المتمكنة من ملكية وسائل الإنتاج، التي تعود بفوائد لا حدود لها، لصالح البورجوازية، على حساب إفقار العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بالإضافة إلى العمل المتواصل على حماية البورجوازية، ومصالحها، وضمان استمرار استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بما يتناسب مع نمو ثرواتها، حتى تضاهي كبار البورجوازيين على المستوى العالمي، ومن أجل أن تظهر، وكأنها تحرص على مصالح البلد، الذي تعيش فيه، كما هو الشأن بالنسبة للبورجوازية المغربية، وهي، في الواقع، لا تحرص إلا على مصالح الطبقة البورجوازية، التي تقودها إلى تهريب أموالها، إلى الأبناك الخارجية، أو تعمل على استثمارها في البلدان الأجنبية، بدل استثمارها في بلدها الأصلي، وهو ما يؤدي إلى تعثر النمو الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يؤدي ضريبته الكبيرة، العاطلون، والمعطلون، وغيرهم من الكادحين المغاربة.

والحزب البورجوازي / الإقطاعي، يحمل تصورا يهدف إلى خدمة المصالح المشتركة، بين البورجوازية، والإقطاع، والعمل على الوصول إلى السلطة، من أجل خدمة تلك المصالح، بواسطة أجهزة الدولة، ومؤسساتها، حتى يصير التحالف البورجوازي / الإقطاعي، متمكنا من امتلاك الثروات، على حساب المحرومين من الفلاحين الفقراء، والمعدمين، والعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعلى حساب إيجاد تنمية حقيقية: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية. وهو ما يعني أن تصورا كهذا، لا ينتج إلا المزيد من التخلف، في مستوياته المختلفة.

وحزب البورجوازية الصغرى، الذي يحمل تصورا مستقبليا، مهووسا بتحقيق التطلعات الطبقية، التي هي الهاجس الأساسي للبورجوازية الصغرى، التي تدعي أنها تحرص على خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة. وهي، في الواقع، لا تخدم إلا مصالح الجهات التي تساعدها على تحقيق تطلعاتها الطبقية: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، ولا عبرة بعد ذلك للجماهير الشعبية الكادحة، كما أثبتت مختلف التجارب ذلك.

وبالنسبة لحزب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فإن تصوره المستقبلي، يهدف إلى خدمة مصالح جميع الكادحين، من فلاحين فقراء، ومعدمين، وتجار صغار، وعاطلين، ومعطلين، وعمال، وأجراء، وكل المعانين من الاستغلال الهمجي، الذي يمارسه التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف في حقهم: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وتصور حزب العمال، وحلفائهم، يسعى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في أفق إنضاج شروط تحقيق الاشتراكية.

أما تصور حزبي اليسار المتطرف، واليمين المتطرف، فلا يتجاوزان تصور حزب البورجوازية الصغرى، إلا بالمزايدة على الجميع، في أفق إنضاج الشروط الموضوعية، لتحقيق التطلعات الطبقية، ولا عبرة لجماهير العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلا باعتبارهم سلما، يتم استعماله في أفق تحقيق التطلعات الطبقية، لعناصر اليسار المتطرف، واليمين المتطرف، كما أثبتت التجارب ذلك.

فالآفاق، إذن، هي مجموع التصورات المستقبلية، سواء انبنت على أسس علمية، أو غير علمية، ما دامت معتمدة لتدبيج آفاق العمل، على أساس برنامج قريب، أو متوسط، أو بعيد المدى، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، سعيا إلى تحقيق الأهداف القريبة، والمتوسطة، والبعيدة.

والمراد بآفاق النقابة، هي مجموع التصورات النقابية، التي تختلف من نقابة، إلى نقابة أخرى، التي تتعلق بما يجب عمله، لتحقيق الأهداف المتعلقة بمستقبل النقابة، والعمل النقابي، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والمتمثلة، بالخصوص، في تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية.

ومعلوم أن طبيعة النقابة، هي التي تحدد طبيعة التصور النقابي، مما يجعل ذلك التصور النقابي المستقبلي، يسعى إلى خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أو يسعى إلى خدمة الجهة الموجهة للنقابة، والعمل النقابي، أو لخدمة مصالح الحزب، أو لخدمة مصالح القيادة النقابية، التي تعمل على جعل النقابة، مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، أو لخدمة مصالح الجهاز البيروقراطي.

فالتصور النقابي المستقبلين الذي يسعى إلى خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لا يصدر إلا عن نقابة تحترم في إطارها المبادئ، التي يقتنع بها نقابيوها، كما تحترم في إطارها ضوابطها التنظيمية، وتحرص على أن تكون ملفاتها المطلبية معبرة عن إرادة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كما تحرص على تفعيل برنامجها النضالي / المطلبي، وتسعى إلى أن تكون مواقفها معبرة عن إرادة النقابيين، وسائر المستهدفين بالنقابة، والعمل النقابي، لأن تصورا كهذا، لا يمكن أن يكون إلا تصورا علميا، والتصور النقابي / العلمي، لا يصير إلا في صالح الجماهير الشعبية الكادحة.

أما التصور النقابي، الذي يسعى إلى خدمة مصالح الجهة الموجهة للنقابة، والعمل النقابي، فهو لا يصدر إلا عن نقابة لا تهتم بمصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بقدر ما تكون محكومة بإرادة النخبة التابعة لجهة معينة، والتي تعتبر تبعيتها وسيلة لتحقيق تطلعاتها الطبقية، مما يجعلها توظف النقابة، والعمل النقابي، لخدمة مصالح الجهة الموجهة للنقابة، ولنخبتها، وللعمل النقابي، ولا عبرة بعد ذلك للمستهدفين المفترضين للنقابة، وللعمل النقابي، لا على المستوى المطلبي، ولا على المستوى البرنامجي، ولا على مستوى المواقف التي تتخذها النقابة؛ لأن تصور النقابة اللا علمي، لا يمكن أن يصير إلا في خدمة مصالح الجهة الموجهة.

وبالنسبة للتصور النقابي الحزبي، فإننا نجد أنه لا يخدم إلا مصالح الحزب، ولا علاقة له لا بمصالح العمال، ولا بمصالح باقي الأجراء، ولا بمصالح سائر الكادحين، لكونه لا يهتم إلا بتحقيق الأهداف الحزبية، التي تسعى إلى توهيم كادحي الشعب المغربي، بأن النقابة الحزبية، هي التي تعمل على خدمة مصالحهم. وهو توهيم لأجل تضليل الكادحين، وجعلهم ينساقون وراء نقابة الحزب، ومن خلالها وراء الحزب: أي أن المستهدفين بالعمل النقابي / الحزبي، يصيرون حزبيين بطريقة غير مباشرة. وتصور كهذا، يعتبر، كذلك، غير علمي، لكونه لا يخدم إلا الأهداف الحزبية,

أما بالنسبة للتصور النقابي، الذي يسعى إلى جعل النقابة مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، فإن هذا التصور، لا يخدم إلا مصالح القيادة التي تسعى إلى ذلك، وإذا انفرز حزب ما من النقابة، فإن ذلك التصور لا يخدم إلا مصالح ذلك الحزب، وهو ما يعبر عن كون النقابة تنشئ حزبا، كواجهة سياسية لها، لا علاقة له لا بالعمال، ولا بالأجراء، ولا بسائر الكادحين، بقدر ماله علاقة بمصالح النخبة النقابية، الممارسة للانتهازية السياسية، بشكل فج. وهذا التصور، كسابقه، لا علاقة له بالعلمية، ويقف وراء تحريف الكثير من الممارسات التحريفية، التي تصير شائعة في العمل النقابي، ووراء دوس مبادئ النقابة، ووراء عدم الاهتمام بواقع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كما هو حاصل في الميدان النقابي.

وبخصوص التصور النقابي، الذي يسعى إلى تكريس البيروقراطية، فإن هذا لتصور، الذي يكتسب طابع المستقبلية، نجد أنه لا يسعى إلا إلى خدمة مصالح القيادة البيروقراطية، على جميع المستويات التنظيمية، حتى يبقى الجهاز البيروقراطي المحلي، والإقليمي، والجهوي، والوطني، متحكما في مصير النقابة، وقاطعا الطريق أمام إمكانية دمقرطتها على المستوى التنظيمي، والمطلبي، والبرنامجي، والمواقفي، حتى لا تتحول النقابة إلى نقابة ديمقراطية، تحترم في إطاراتها الممارسة الديمقراطية، وحتى لا تتحول إلى نقابة كفاحية، تقود نضالات الكادحين، من أجل فرض الاستجابة إلى ملفاتهم المطلبية، وحتى لا ترتبط النقابة بالحركة التي تناضل من أجل الديمقراطية، من الشعب، وإلى الشعب، وفي إطار الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي؛ لأن التصور الذي لا يخدم إلا مصالح الجهاز البيروقراطي، في مستوياته المختلفة، لا علاقة له لا بالعمال، ولا بباقي الأجراء، ولا بسائر الكادحين، الذين لا يمكن أن يجدوا ذاتهم إلا في إطار نقابة ديمقراطية، تقدمية، جماهيرية، مستقلة، ووحدوية، وبأجهزة مطهرة من الانتهازيين، الذين يوظفون النقابة، والعمل النقابي، لخدمة مصالحهم الخاصة، ليفسدوا بذلك الممارسة النقابية، التي تصير وسيلة لتنفير العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وهكذا يتبين، أن اختلاف التصور النقابي، من نقابة إلى أخرى، يرجع إلى طبيعة النقابة، وطبيعة قيادتها، وطبيعة مطالبها، وطبيعة برامجها، وهو اختلاف لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تضليل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لينسحب معظمهم من النقابة، ومن العمل النقابي. وهو ما يمكن أن نفسر به:

لماذا لا يهتم معظم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بالنقابة، وبالعمل النقابي؟

 وهذه الوضعية تقتضي من جميع النقابات، وبدون استثناء:

1 ـ وضع حد لكل أشكال التحريف النقابي، حتى تصير جميع النقابات خالية منها.

2 ـ محاربة كافة أشكال الفساد، التي تنخر البنيات التنظيمية لجميع النقابات.

3 ـ تطهير الأجهزة النقابية من الانتهازيين، ومن الانتهازية، كيفما كان نوعها، حتى لا تصير الأجهزة النقابية مفرخة للانتهازيين.

4 ـ إعادة الاعتبار للمبادئ النقابية: الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، باعتبارها مدخلا لإنتاج العمل النقابي الصحيح.

5 ـ إعادة الاعتبار للمحاسبة الفردية، والجماعية، في جميع الأجهزة النقابية، حتى يلتزم أعضاء تلك الأجهزة، بالمهام التي يكلفون بها، ومن أجل أن يمسكوا عن ممارسة كافة أشكال الانتهازية.

6 ـ الحرص على دمقرطة النقابة: تنظيميا، ومطلبيا، وبرنامجيا، ومواقفيا، حتى تصير معبرة عن إرادة القواعد النقابية، وعن إرادة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

وبهذه الخطوات، يمكن بناء التصور النقابي العلمي البديل، الذي يعيد الاعتبار للنقابة، التي تصير في خدمة المستهدفين بالعمل النقابي، الذي تنتجه في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لتصير بذلك قبلة لهم، ومن أجل أن تتسع قاعدتها، وتتعدد بنياتها، وأن تستبدل الوجوه التي شاخت وملتها الأقنعة، كما يقول الشاعر الطليعي الرفيق المحجوب حبيبي.

وبخصوص آفاق العمل النقابي، نجد أنه مرتبط جدا بآفاق النقابة، كما حاولنا أن نقف على ذلك، من خلال الفقرات السابقة.

ويمكن أن يصير الأفق واضحا للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إذا التزمت النقابة بمبادئها، وبضوابطها التنظيمية، وبتفعيل برنامجها، وبالإعلان عن مواقفها، وتحيين تلك المواقف، وتوضيحها للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى تصير الأمور المتعلقة بالنقابة، وبالعمل النقابي، واضحة في أذهانهم، ومحفزة لهم، وباعثة على انخراطهم في النقابة، ومساهمتهم في إغناء ملفاتها المطلبية: القطاعية، والمركزية، وفي تطوير برامجها، وتعضيد مواقفها، حتى تصير النقابة في مستوى التحديات المطروحة في الميدان.

وأفق النقابة الخاص، يعتبر جزءا لا يتجزأ من الأفق العام، وهو ما يقتضي أن يصير أكثر وضوحا، لا علاقة له بالتضليل الممارس في الميدان، والصادر عن النقابات التابعة، أو الحزبية، أو التي تعتبر مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، أو البيروقراطية، مما يضيق على النقابة التي تحترم مبادئها، وتنظيماتها، وضوابط تلك التنظيمات، والتي يعتبر وضوحها هو السلاح الذي يكسب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حصانة ضد التضليل.

وانطلاقا من وضوح النقابة المطلبي، والبرنامجي، والمواقفي، والمبادئي، فإن العمل النقابي، كمنتوج للنقابة الواضحة، أكثر وضوحا على مستوى الأفق، وعلى مستوى الممارسة اليومية، وعلى مستوى الأهداف، مما يجعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يطمئنون إليه، وينخرطون في تفعيله، ويسعون إلى تحقيق أهدافه، التي تخدم مصالحهم.

وبذلك الوضوح الذي تكلمنا عنه، تصير الرؤيا واضحة للقواعد النقابية، من المنخرطين، الذين يساهمون في البناء التنظيمي، وفي إغناء البرنامج المطلبي، وفي تطويره، وفي بلورة المواقف النقابية، وفي تفعيل كل ذلك ميدانيا، مادامت النقابة واضحة، وما دام العمل النقابي واضحا. أما إذا كانت تمارس التضليل على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فإن القواعد النقابية، سوف لا تنجو من ذلك التضليل، وستتحول إلى مجرد روبوتات، تحركها القيادات النقابية التحريفية، كما تشاء.

ولذلك، فالحرص على الوضوح في العلاقة مع النقابيين، ومع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يجعل النقابة، بما تنتجه من عمل نقابي صحيح، تحتل مكانة خاصة في مجتمع الكادحين.

وعندما تصير الرؤيا واضحة، في الإطار النقابي، الذي تحترم فيه المبادئ، والضوابط التنظيمية، فإن الانسجام بين القيادة، وقواعد النقابة، يصير مسلما به؛ لأن القيادة، تصير فعلا معبرة عن إرادة القواعد النقابية، نظرا لإشراكها لهم في التقرير، والتنفيذ، وفي البناء التنظيمي، وفي إغناء الملفات المطلبية، وفي إعداد البرامج، وتطويرها، وفي بلورة المواقف النقابية، وفي تفعيل البرنامج النقابي المبدئي في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والانسجام القائم بين القيادة النقابية، وقواعدها، يلعب دورا أساسيا، في تماسك التنظيمات النقابية، وتقويتها، وفي ارتباطها بالمستهدفين بالعمل النقابي، ويصير حصانة ضد كل أشكال التحريف النقابي، وضد كل الممارسات الانتهازية، نظرا لتفعيل الأجهزة النقابية، للمحاسبة الفردية، والجماعية، وللنقد، والنقد الذاتي، ونظرا لاحترام الأجهزة النقابية لمبادئ الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، بالإضافة إلى احترام الضوابط التنظيمية.

غير ان هذا الانسجام يتبخر، بمجرد ما تصير النقابة تحريفية، سواء كانت تابعة لجهة معينة، أو حزبية، أو مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، أو بيروقراطية؛ لأن هذه الأشكال التحريفية، تتحكم فيها القيادات النقابية، التي توظف النقابة، والعمل النقابي، لخدمة مصالح الجهة الموجهة، أو لخدمة مصالح الحزب، أو مصالح القيادة النقابية، الحريصة على الإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، أو مصالح الجهاز البيروقراطي، ولا يمكن، أبدا، أن تخدم مصالح المستهدفين بالعمل النقابي.

والنقابة الوحيدة التي تخدم مصالح المستهدفين بالعمل النقابي، هي النقابة التي يقوم فيها الانسجام بين القيادة، والقاعدة، وتحترم في إطارها المبادئ، والضوابط التنظيمية، ويتم فيها إشراك القواعد النقابية، والعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في كل ما يهم النقابة، والعمل النقابي، وتمتلك تصورا مستقبليا رائدا، يغري كل المستهدفين بالنقابة، والعمل النقابي، بالتتبع، والتفعيل، حتى تحقيق الأهداف المرسومة على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.

ونقابة كهذه، هي التي تحترم فيها المبادئ، والضوابط التنظيمية، من قبل أجهزتها التنفيذية، والتقريرية.

وهذه المبادئ، بالنسبة إلينا، هي:

الديمقراطية، ببعديها الداخلي، والعام، وبمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي تتيح الفرصة أمام جميع النقابيين، من أجل المساهمة في البناء التنظيمي، وإعداد الملفات المطلبية، والبرنامج النقابي، وبلورة المواقف النقابية، التي يتم الإعلان عنها، وتفعيل جميع البرامج النقابية: القطاعية، والمركزية، في أفق فرض الاستجابة إلى المطالب النقابية، وتحقيق الأهداف المرسومة.

والتقدمية، التي تعني بالنسبة للنقابة: السعي المستمر إلى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية لعموم الكادحين، والارتقاء بوعيهم بتلك الأوضاع، وتصنيف النقابة، بربطها الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، إلى جانب الحركة الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، في إطار التأكيد على استقلاليتها عنها، وسعيها إلى الانخراط في النضال الديمقراطي العام، وفي إطار الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية.

والجماهيرية، التي تجعل النقابة منفتحة على جماهير العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، تنظيميا، ومطلبيا، وبرنامجيا، ونضاليا، على أساس الالتزام بمبادئ النقابة، وبضوابطها التنظيمية.

والاستقلالية، التي تعني قطع دابر تبعية النقابة لأية جهة، حتى تصير بعيدة عن أي تأثير، في بناء تنظيماتها، وصياغة ملفاتها المطلبية، وبرامجها النضالية، وفي تفعيل قراراتها النضالية، القاضية بخوض معاركها، من أجل فرض الاستجابة لمطالبها، وتحقيق أهدافها القريبة، والمتوسطة، والبعيدة.

وتكريس النقابة لاستقلاليتها، لا يعني، أبدا، عدم انخراطها في تنسيق معين، مع الجهة التي تلتقي معها في نقط معينة، أو دخولها، في تحالف معها، أو انخراطها في الجبهة الوطنية، للنضال من أجل الديمقراطية، ما دام كل ذلك يعبر عن إرادة النقابيين، ولا يمس لا من قريب، ولا من بعيد، باستقلالية النقابة.

وهذه المبادئ الأربعة، لا تكتسب دلالتها، وقوتها، إلا بإضافة مبدأ الوحدوية، التي تعني، في العمق، صيرورة النقابة لجميع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والنقابة التي تحافظ على مبادئها، وتحترم ضوابطها التنظيمية، لا بد أن تحرص على أن تصير نقابة مناضلة، وكفاحية، مساهمة في رفع حدة الصراع، في مستواه الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وساعية إلى جعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يمتلكون وعيهم بأوضاعهم المختلفة، حتى يحرصوا على الارتباط بالنقابة المناضلة، والمكافحة من أجلهم، من أجل أن يتطور وعيهم، إلى مستوى الوعي السياسي بتلك الأوضاع، والسعي إلى تغييرها بوسائل أخرى، حتى تصير في خدمة مصالحهم، في إطار تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

أما النقابة التابعة، والحزبية، والمعتبرة مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، أو بيروقراطية، فإنها لا تحترم المبادئ، والضوابط التنظيمية، وليس واردا، عندها، خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولا تسعى إلى توعيتهم بأوضاعهم المادية، والمعنوية، فإنها لا يمكن أن تصير مناضلة، وكفاحية، كما يسميها البعض.

ولذلك، فالحرص على أن تصير النقابة محترمة لمبادئها، وضوابطها التنظيمية، هو، في نفس الوقت، حرص على نضالية النقابة، وكفاحيتها.

والنقابة عندما تصير مناضلة، وكفاحية، فإنها، كذلك، تحرص على الاستجابة لإرادة القواعد النقابية، ومن خلالهم، تحرص على فرض الاستجابة لإرادة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى تحافظ على تماسك النقابة، وعلى امتداداتها الجماهيرية، ومن أجل أن تتجذر في الواقع.

والعوامل التي تحول دون انفتاح الآفاق أمام النقابة، يمكن تصنيفها إلى عوامل ذاتية، وعوامل موضوعية.

فالعوامل الذاتية تتمثل في:

1 ـ عدم احترام المبادئ، والضوابط التنظيمية.

2 ـ غياب الديمقراطية الداخلية، التي تمكن جميع النقابيين من التقرير، والتنفيذ.

3 ـ كون القيادة تابعة، أو حزبية، أو جاعلة من النقابة مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين.

4 ـ عدم تفعيل المحاسبة الفردية، والجماعية، في مختلف الإطارات التنظيمية.

5 ـ عدم تفعيل مبدأ النقد، والنقد الذاتي، فيما يخص اعتماد الممارسات الفردية، والجماعية، التحريفية، أو الخاطئة.

6 ـ عدم تفعيل البرامج النقابية في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

7 ـ عدم إعادة النظر في الملفات المطلبية، من أجل تطويرها، حتى تستجيب لحاجيات المستهدفين بالعمل النقابي.

8 ـ عدم اتخاذ المواقف المناسبة، في الوقت المناسب، نظرا للتحولات التي يعرفها الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

وهذه العوامل الذاتية، التي أتينا على ذكرها، والتي لم نذكر، تؤدي، ولا شك، إلى إضعاف النقابة، واختفاء العمل النقابي، مما يجعل النقابة منغلقة على نفسها، وآفاقها منعدمة.

أما العوامل الموضوعية، فتتمثل في:

1 ـ سيادة القمع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يعاني منه العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

2 ـ تهديد العمال بالتوقيف، والطرد، إن هم ارتبطوا بنقابة معينة، كيفما كان لونها، وعملوا على تكوين مكتب نقابي معين، يعمل على تكوين ملف مطلبي معين، وتعبئة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين حول ذلك الملف، والشروع في النضال المطلبي، للضغط من أجل فرض الاستجابة للملفات المطلبية.

3 ـ انشغال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باليومي من الحياة، وعدم إيلاء أية أهمية للنقابة، وللعمل النقابي.

4 ـ غياب الوعي في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

5 ـ انعدام الوعي بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكما هي في المواثيق الصادرة عن منظمة العمل الدولية، والمتعلقة بحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

6 ـ تردي الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مما ينعكس سلبا على أوضاع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مما يجعلهم يعيشون هاجس الخوف من الطرد، والتوقيف، فيزدادون خوفا، وانحناء أمام المشغلين، في مختلف القطاعات الإنتاجية، والخدماتية.

7 ـ غياب تفعيل الديمقراطية، بمفهومها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في الواقع الذي يعيش فيه العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

8 ـ فقدان الثقة في النقابات القائمة في المجتمع، بسبب تبعيتها، أو حزبيتها، أو كون النقابة مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، أو بيروقراطيتها.

9 ـ غياب تفعيل العمل النقابي، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين لا يعرفون عن النقابة، والعمل النقابي أي شيء.

10 ـ  كون الدولة الطبقية منحازة للتحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، وإلى سائر المستغلين، مما يجعل الكادحين فاقدين للحماية القانونية، ولحماية الدولة الديمقراطية.

وهذه العوامل الموضوعية، التي ذكرنا، بالإضافة إلى ما لم نذكر، تلعب دورا أساسيا، ومركزيا، في إرهاب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مما يجعلهم فاقدين للثقة في المستقبل، وفي الثقافة، وفي الأحزاب السياسية المناضلة، وفي الدولة، ويسلمون أمرهم للجهة التي تمارس عليهم الاستغلال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

وللتغلب على العوامل المعرقلة لانفتاح آفاق النقابة، لا بد من:

1 ـ قيام النقابة بإنضاج شروط الارتباط بالطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يصيروا مرتبطين بها ارتباطا عضويا، ومنخرطين في نضالاتها المطلبية، ومساهمين بشكل واسع في إعادة الاعتبار للنقابة، وللعمل النقابي.

2 ـ احترام مبادئ النقابة، وضوابطها التنظيمية، وتفعيل برامجها، واتخاذ المواقف المناسبة مما يجري على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، حتى تصير، تلك المواقف، وسيلة تعبوية ناجعة للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

3 ـ قيام النقابة بدراسة الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وإخراج تلك الدراسة، لتصير في متناول العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل التسلح بالمعرفة العلمية، للواقع العيني، حتى تصير تلك المعرفة العلمية، وسيلة لامتلاك الوعي به، ليزداد المستهدفون بالعمل النقابي، ارتباطا بالنقابة.

4 ـ إقبال القيادة النقابية، في مستوياتها المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، بمراجعة نقدية لممارستها، وتقييم مدى انعكاساتها السلبية، على أوضاع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل تجاوز تلك الانعكاسات، وتقويم الممارسة النقابية، للقيادة النقابية، حتى تصير في صالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل أن تستعيد النقابة، بذلك، أهميتها في صفوف المستهدفين بعملها النقابي، وسعيا إلى انفتاح الآفاق أمامها.

5 ـ المواجهة الصارمة لكل الجهات الممارسة لاستغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والمستفيدين منه، عن طريق فضح، وتعرية أساليب الاستغلال المادي، والمعنوي الهمجي، التي تعتمدها، ومدى الأضرار التي تلحق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومن أجل تحفيز المستهدفين بالعمل النقابي، بالانخراط في المواجهة، عن طريق الانخراط في النضالات المطلبية، من أجل فرض الاستجابة للمطالب النقابية، التي هي، في نفس الوقت، مطالب جميع الكادحين.

6 ـ إعداد الأطر النقابية الكفأة، التي تضع نفسها رهن إشارة النقابة، وتساهم في تعبئة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل الالتفاف حول المطالب النقابية، التي هي مطالبهم في نفس الوقت، حتى تتسع دائرة النقابة، ومن أجل أن تصير قائدة للنضالات المطلبية للحركة النقابية، والعمالية.

7 ـ حرص النقابة على تنظيم عروض، وندوات يحضرها العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في مختلف القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مساهمة من النقابة في تكوين المستهدفين بها، وفي جعلهم يستحضرون تلك القضايا، من ضمن اهتماماتهم اليومية، مما يجعلهم يعمقون وعيهم بتلك القضايا، التي لها علاقة بواقعهم.

8 ـ انخراط النقابة في التنسيق، أو التحالف النقابي، لتكريس مبدأ وحدة النقابة، والعمل النقابي ميدانيا، مما يعتبر مناسبة لاستنهاض جميع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل الانخراط في النضالات المطلبية، التي يقودها التنسيق، أو التحالف النقابي، من أجل انتزاع المزيد من المكاسب.

9 ـ انخراط النقابة في إطار الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، انطلاقا من برنامج حد أدنى، سعيا إلى تحقيق ذلك البرنامج، الذي ينتهي بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

10 ـ حرص النقابة على الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، على مستوى صياغة المطالب النقابية، وعلى مستوى وضع البرنامج النقابي، من أجل أن يصير، ذلك الربط الجدلي، وسيلة لتطور، وتطوير وعي العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في اتجاه الارتقاء بالوعي النقابي، إلى الوعي السياسي.

وبقيام النقابة بإنجاز هذه الخطوات، التي ذكرنا، وغيرها، مما لم نذكر، تصير آفاق النقابة منفتحة على المستقبل، ويتم التغلب على العوائق التي تحول دون ذلك، لتتحول النقابة، كذلك، إلى إطار للتربية العمالية.

وبتجاوز العوائق التي تحول دون انفتاح النقابة على المستقبل، تستعيد النقابة، والعمل النقابي، مكانتهما بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يستعيدون ثقتهم في النقابة، وفي العمل النقابي، وينخرطون انخراطا نضاليا، في النضالات المطلبية، وفي النقابة، وفي العمل النقابي اليومي، لتصير النقابة بذلك قوية، وقاعدتها واسعة، وتفاعلها مع الواقع عميق، وانفتاحها على المستقبل متواصل.

وهذا الانفتاح المترتب عن تجاوز العوائق، يصير جاذبا للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل ارتباطهم بالنقابة، ومساهمتهم في تفعيل العمل النقابي، تنظيميا، وبرنامجيا، ومطلبيا، ومواقفيا، ونضاليا. وهو ما يجعل النقابة تزداد ارتباطا بالواقع، من خلال استجابتها لطموحات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الحاملين للوعي بأوضاعهم المادية، والمعنوية، والمستعدين لامتلاك الوعي السياسي، بممارسات الطبقة الحاكمة، وسائر المستغلين، والمستفيدين من الاستغلال، والذين وقفوا بممارساتهم تلك، وراء تردي أوضاع الشعب الكادح، وما يجب عمله لمواجهة الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

خلاصة عامة:

وهكذا نكون قد خلصنا، في معالجتنا، في موضوع (الحزب / النقابة: أية علاقة؟ وأية آفاق؟)، والذي تناولنا فيه مفهوم الحزب، ومفهوم النقابة، وعلاقة الحزب بالنقابة، باعتبارها علاقة مبدئية، أو علاقة تبعية، أو علاقة حزبية، أو علاقة اعتبار النقابة مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، أو انعدام العلاقة بسبب الممارسة البيروقراطية، بالإضافة إلى واقع النقابة على مستوى الممارسة المبدئية، وعلى مستوى تبعية النقابة، وعلى مستوى حزبية النقابة، وعلى مستوى جعل النقابة مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، وعلى مستوى بيروقراطية النقابة، إلى جانب آفاق النقابة، من خلال مناقشة الأفق المبدئي، وافق تكريس تبعية النقابة، وأفق تكريس حزبية النقابة، وافق تكريس الإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، وأفق تكريس الممارسة البيروقراطية، إلى القول: بأن علاقة الحزب بالنقابة، واعني هنا الحزب الديمقراطي، أو التقدمي، أو اليساري، أو العمالي، على مستوى التصور: أن تصير هذه العلاقة محكومة بالاحترام المتبادل. وهو ما يعني: قيام الحزب باحترام مبادئ النقابة، وضوابطها التنظيمية: أي احترام الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية. وقيام النقابة باحترام مبادئ الحزب، وضوابطه التنظيمية، وأن لا تتعامل مع قواعدها على أساس انتماءاتهم الحزبية، التي يجب أن تحترم في الإطار النقابي، وأن النقابة يجب أن تحترم، كذلك، قرارات الحزب، ومواقفه السياسية، وأن لا تتدخل في شؤونه الداخلية. وهذا الاحترام المتبادل، هو الذي يكرس استقلالية النقابة، واستقلالية الحزب، في نفس الوقت، وأن العمل على تكريس هذه الاستقلالية بين النقابة، والحزب، في إطار الاحترام المتبادل بينهما، لا بد أن يؤدي إلى:

1 ـ نجاح عمل النقابة، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بأداء دورها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

2 ـ إنجاح عمل الحزب الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي، الذي يعمل من أجل تغيير الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وهذه الاستقلالية التي يجب أن تحكم مسار النقابة، ومسار الحزب، لا تنفي قيام تقاطعات الحزب، والنقابة.

فالمستهدفون بالنضال النقابي: من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، هم أنفسهم المستهدفون بالنضال الحزبي الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي.

وأهداف النقابة، المتمثلة في تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، تساهم في إنضاج الشروط الموضوعية، لتحقيق الأهداف الحزبية: الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، المتمثلة في تغيير الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لصالح أبناء الشعب الكادح.

والوعي النقابي المتقدم، والمتطور، لا بد أن يتحول إلى وعي سياسي متقدم، يدفع في اتجاه تقوية الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية. وكذلك الأمر بالنسبة للوعي السياسي، الذي تقف وراءه الأحزاب المذكورة، يدفع، كذلك، في اتجاه تقوية النقابة، التي تحترم في إطارها المبادئ، والضوابط التنظيمية.

وتفعيل البرنامج النقابي المبدئي، غير المحكوم بخلفيات معينة، يساهم في إنضاج الشروط الموضوعية، لتفعيل برامج الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية. وتفعيل برامج هذه الأحزاب في الميدان، يساعد، كذلك، على إنضاج الشروط الموضوعية، لتفعيل البرامج النقابية.

والمواقف النقابية الرائدة، المتخذة في المكان المناسب، وفي الزمن المناسب، تعضد المواقف الحزبية: الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية. ونفس الشيء  بالنسبة للمواقف السياسية للأحزاب المذكورة، التي تقف وراء قوة، وصلابة المواقف النقابية المبدئية، من الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

والملفات المطلبية النقابية: المادية، والمعنوية، عندما تصنف تصنيفا علميا دقيقا، فإنها تصير دعامة أساسية للمطالب السياسية، للأحزاب السياسية المذكورة. ونفس الشيء نقوله بالنسبة للمطالب السياسية المحددة، وبدقة، فإنها تصير، كذلك، دعامة أساسية للمطالب النقابية المبدئية.

وخوض النضالات النقابية المطلبية، يقف وراء إعداد المجال، أمام إمكانية خوض نضالات سياسية، تقودها الأحزاب السياسية المذكورة. ونفس الشيء بالنسبة لخوض النضالات الحزبية، بواسطة، وبقيادة الأحزاب المشار إليها، فإنها تساهم، بشكل كبير، في إعداد العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لخوض النضالات المطلبية السياسية.

وهذه التقاطعات العميقة، التي تجمع بين الحزب، والنقابة، في إطار ضمان تكريس استقلالية كل منهما عن الآخر، هي التي تضمن:

1 ـ تكريس العلاقة الجدلية بين النضال النقابي، والنضال السياسي.

2 ـ احترام الخصوصية، الخاصة بالنقابة، والخاصة بالحزب.

3 ـ تبادل الدعم بين الحزب، والنقابة، في الميدان النضالي.

4 ـ إتاحة الفرصة أمام النقابيين، بعد تطور وعيهم، من أجل أن ينخرطوا في الأحزاب الديمقراطية، أو التقدمية، أو اليسارية، أو العمالية.

5 ـ إمكانية قيام تنسيق بين النقابة، والحزب، أو تحالف، يهدف إلى النضال المشترك، لتحقيق أهداف اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية.

6 ـ إتاحة الفرصة أمام النقابة، من أجل الانخراط في إطار جبهة وطنية، للنضال من أجل الديمقراطية.

ولذلك، كان، من اللازم، الحرص على سلامة النقابة من التحريف، وعلى حرص الحزب على احترام استقلالية النقابة؛ لأن سلامة النقابة من التحريف، واحترام استقلاليتها، قوة للنقابة، وللحزب على حد سواء.

أما بالنسبة للنقابة التابعة، والحزبية، والمعتبرة مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، والبيروقراطية، باعتبارها نقابة تحريفية، فإننا لا يمكن أن ننتظر منها أن تحترم مبادئها؛ لأنها لا مبادئ لها، ولا ضوابط تنظيمية، كما لا ننتظر منها أن تنسج علاقة بالحزب الديمقراطي، أو التقدمي، أو اليساري، أو العمالي؛ لأنها، في الأصل، تابعة لأجهزة الدولة، أو لحزب معين، لا علاقة له لا بالديمقراطية، ولا بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولا بالتقدمية، ولا باليسارية، ولا بالعمالية، أو يدعي أنه، بسبب بيروقراطيته، لا يتعاطى مع الأحزاب السياسية.

وهذه النقابات، لا تجمعها قواسم مشتركة، بالأحزاب التي تحترم مبادئ النقابة، وضوابط العمل النقابي، ولا يمكن أن تنسق معها، أو تدخل معها في تحالف معين، أو تسعى إلى الانخراط في الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، ولا يمكن أن تسعى إلى خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

فالنقابات اللا مبدئية، تبقى نقابات لا مبدئية.

والنقابة المبدئية، تبقى نقابة مبدئية.

والحزب الذي يحترم مبادئ النقابة، وضوابطها التنظيمية، يبقى حزبا محترما لمبادئ النقابة، وضوابطها التنظيمية.

والحزب الذي يسعى إلى أن يجعل النقابة تابعة له، أو حزبية، يبقى، كذلك، مساهما، وبشكل كبير، في إفساد العمل النقابي.

والقيادة النقابية التي تعودت على إفساد العمل النقابي، تبقى كذلك، إلى مالا نهاية.

والانتهازية النقابية، المتمرسة على استغلال النقابة، لتحقيق تطلعاتها الطبقية، تبقى انتهازية نقابية، تحتاج إلى جرأة، من أجل تطهير النقابة منها.

ولكي يتخلص العمل النقابي من مختلف الأمراض، لا بد من جرأة قيادية رائدة، لتفعيل مبادئ الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، والمحاسبة الفردية، والجماعية، والنقد، والنقد الذاتي، وممارسة المركزية الديمقراطية، في اتخاذ القرارات، والحرص على تنفيذ تلك القرارات، وإشراك القواعد النقابية في كل ذلك.

لقد آن الأوان، لأن يصير الحزب محترما للنقابة، ولأن تصير النقابة محترمة للحزب، وان يصير التواصل بينهما على أسس دقيقة، وأن تمتد جسور التواصل بين الحزب، والنقابة، وبين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى تجد جماهير الشعب الكادح نفسها، مرتبطة بالحزب، وبالنقابة.

وإذا كانت معظم الأحزاب السياسية فاسدة، وكانت معظم النقابات فاسدة، فإن على النقابة التي تفعل مبادئها، وضوابطها التنظيمية، أن تعمل على فضح الفساد النقابي، مهما كان مصدره، في صفوف المستهدفين بالعمل النقابي، من أجل توعيتهم بخطورة الفساد النقابي على مستقبلهم.

وكذلك الشأن، بالنسبة للفساد السياسي، فإن على الحزب الديمقراطي، أو التقدمي، أو اليساري، أو العمالي، أن يعمل على فضح، وتعرية الفساد السياسي، مهما كان مصدره، وكيفما كان الحزب الممارس لذلك الفساد، من أجل توعية المستهدفين بالعمل الحزبي، بخطورة الفساد السياسي، على مستقبل الشعب المغربي.

وبمحاربة الفساد النقابي، والفساد السياسي، تصير المسؤولية واقعة على المستهدفين بالعمل النقابي، وبالعمل الحزبي.

ونظرا للعلاقة الجدلية القائمة بين النضال النقابي، والنضال السياسي، فإن محاربة الفساد النقابي، هي في نفس الوقت، جزء من محاربة الفساد السياسي. ومحاربة الفساد السياسي، يشمل، في عمقه، محاربة الفساد النقابي.

وإذا كان هناك من خطورة على الشعب المغربي، فإن هذه الخطورة، تتمثل، بالخصوص، في فساد أجهزة الدولة، وفساد معظم الأحزاب، وفساد معظم النقابات، وانتشار مظاهر الفساد في المسلكيات الفردية، والجماعية، وفي المجتمع، وفي كل مظاهر الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

والشعب المستهدف بكل أشكال الفساد، التي تنتجها مؤسساته، بما فيها المؤسسات الحزبية، والنقابية، لا يمكن أن يتطور.

فهل نكون قد أصبنا الهدف، في تناولنا لموضوع: (الحزب / النقابة: أية  علاقة؟ وأية آفاق؟).

وهل حددنا مفهوم الحزب كما يجب؟

وهل حددنا مفهوم النقابة، كما يقتضي ذلك التحليل الملموس، للواقع الملموس؟

وهل تناولنا علاقة الحزب بالنقابة، تناولا علميا؟

هل حاولنا تحديد مفهوم العلاقة المبدئية؟

وهل حددنا مفهوم علاقة تبعية النقابة لجهة معينة؟

وهل تناولنا حزبية النقابة كما يجب؟

هل وقفنا على ممارسة القيادة النقابية، باعتبار النقابة مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، يصير ذرعا سياسيا للنقابة؟

هل حللنا، كما يجب، ادعاء النقابة البيروقراطية استقلاليتها عن الأحزاب، وعن الدولة؟

هل توفقنا، فعلا، في تفكيك واقع النقابة، والعمل النقابي؟

هل قمنا بتحليل الممارسة القائمة على احترام المبادئ، والضوابط التنظيمية للنقابة؟

هل قمنا بتفكيك ظاهرة تبعية النقابة لجهة معينة؟

هل قمنا بتسليط الأضواء على ظاهرة تحزيب النقابة؟

هل رصدنا ظاهرة اعتبار النقابة مجرد مجال للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين؟

هل رصدنا ظاهرة الممارسة البيروقراطية في النقابة، وفي العمل النقابي؟

هل حاولنا الوقوف على آفاق النقابة، والعمل النقابي؟

هل قمنا بتوضيح آفاق النقابة، التي تحترم في إطارها المبادئ النقابية، والضوابط التنظيمية؟

هل وقفنا على أفق الممارسة النقابية، في إطار النقابة التابعة؟

هل عملنا على توضيح أفق حزبية النقابة؟

هل عملنا على رصد أفق تكريس الإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين؟

هل وقفنا على أفق تكريس الممارسة البيروقراطية في النقابة؟

إننا عندما نطرح هذه الأسئلة، في ختام هذه الخلاصة، إنما نسعى إلى ضرورة تنبيه المتتبعين، والنقابيين، والحزبيين، بان ما يجري في النقابة، وفي العمل النقابي، لا يمكن أن يصير في مصلحة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بقدر ما يصير في مصلحة الجهات الحريصة، والمصرة على إفساد العمل النقابي، وتحريفه، إلا إذا استثنينا النقابة التي تحترم فيها المبادئ، والضوابط التنظيمية، الحريصة على أن تصير مطالبها، وبرامجها، ومواقفها، والنضالات المطلبية، التي تقودها، في مصلحة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

ابن جرير في 2 يوليوز 2012

محمد الحنفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.