فلسفة المساعدة الاجتماعية القضائية
يرى الناس أن للعقاب خاصية بعث الإحساس بالخطأ لدى المجرم ويبحثون فيه عن الأداة الحقيقية لرد الفعل النفسي الذي يسمى ' الشعور بالذنب ' هكذا أسر لنا نيتشه في سطور كتابه "هكذا تكلم زرادشت " وإذا ما شددنا الرحال باتجاه النص القانوني الذي يؤطر حياة الأفراد وينظمها في المجتمع ويجعلها في الطريق السليم قدر الإمكان فإننا نجده يمسك بالنواجد على هذا الجانب خاصة إذا ما تعلق الأمر بالمدافع عن حق المجتمع وهي النيابة العامة في أبجديات التشريع القانوني التي تطالب دائما بتطبيق أشد العقوبات على كل مخالف للقانون ، حتى أضحت بفعل ذلك تلقب بتسميات متعددة وما يضر ذلك أبدا، لأنها مطالبة بالسهر على حقوق الناس وحمايتها من الضياع ، إن هذا الجانب من قول الفيلسوف لا يؤكده أبدا، ولكن يجعله في فوهة النقد ويهاجمه من كل الجهات ، فسرعان ما عاد الرجل مردفا ليقول (( وهذا لعمري اعتداء على الواقع وعلى النفس ..... فالعقاب يجعل الذي عوقب أكثر صلابة ورباطة جأش ، يجعله يركز ويشحذ إحساسه بأنه إنسان آخر ويزيد لديه من قوة المقاومة )).
ليس من شك اليوم أن المقاربة القانونية وحدها بلغتها الخشبية الواحدة غير كافية لحل الأزمات والعقد التي يتخبط فيها المجتمع المغربي وكم هي الأحيان الكثيرة التي تقف فيها الآلية القانونية عاجزة عن فك طلاسم بعض المشكلات المعقدة لدى مجتمعنا ، وبدون مغالاة فإن المؤسسة القانونية تفشل في أحيان كثيرة فشلا ذريعا وعوض أن يكون القانون سببا في تليين سلوك الفرد اتجاه مجتمعه والتخفيف من حدة جنوحه يحدث العكس ، وهو ما يسمى حالات العود إلى نقطة البداية وعدم تحقيق الردع اللازم من إنزال العقوبة الأولى في القاموس التشريعي ؟
إن القانون يعتمد على لغة آمرة وأخرى ناهية ولا وسط بينهما مما يجعل الفرد الذي علق بين هذه الكماشة مضغوطا عليه بشكل عنيف ولا يترك له مجال للتنفس ولشرح تفاصيل وصوله تلك الحالة الني تحول فيها من إنسان مستقيم سوي إلى آخر مغاير ومختلف يشير إليه المجتمع بأصابع الاتهام حتى لو تمت تبرئته .
إن النيابة العامة في القانون المغربي لها وجود قوي ولها صلاحيات جمة تتيح لها إمكانية تطبيق القانون والسهر عليه في أفق بسط السلام والأمن والطمأنينة في شرايين المجتمع وهي تمتلك من الإمكانيات ما يتيح لها فعل ذلك ولكن اللغة التي تعتمدها والمنهجية التي تسلكها غير كافية ولا تستطيع حل إشكالات يكون فيها القانون عاجزا عن إيجاد مخرج سليم فنفقد أفرادا من مجتمعنا قد نحتاج اليهم اذا ما قومناهم وأصلحناهم بشكل مرن وسليم لأن العنف لا ينتج إلا نظيره ، لكن هذا وغيره وبعدما أدرك ذلك مجموعة من المتخصصين حاولوا أنسنة عمل هذا الجهاز وتلطيف تواصله مع الأفراد سواء كانوا ضحايا او متهمين . وكان ذلك عن طريق خلق مؤسسة اجتماعية داخل الجهاز القضائي وهي المساعدة الاجتماعية القضائية . فما هي المساعدة الاجتماعية ؟ ومن هم المساعدون الاجتماعيون الفضائيون ؟ وما دورهم وفق القانون والاجتهاد ؟ وماهي المشاكل والمعيقات التي تعترض طريق عملهم ؟ .
ــ المساعد الاجتماعية القضائية هي خدمة قضائية اجتماعية قانونية تجمع بين اللغة الاجتماعية واللغة القانونية وتحاول قدر الإمكان مساعدة الأفراد الذين هم في نزاع مع القانون لإيجاد حل يسهم في الحفاظ على الحياة الاجتماعية للأفراد بشكل متوازن ويحافظ على اتزان نفسيتهم في جو مشحون بصراعات كبيرة في عالم اليوم ، وهي خدمة إنسانية بالدرجة الأولى تسعى قدر الإمكان إذا ما أتيحت الإمكانيات للاشتغال إلى أن تعيد الثقة الكبيرة لكثير ممن فقدوا هذه الخاصية في مؤسسة القضاء . وفئة المساعدون الاجتماعيون القضائيون هم عينة من طلبة الجامعة المتخصصين الذين تخرجوا بعد ثلاث سنوات من التحصيل المعرفي في العلوم الاجتماعية والنفسية واكتسبوا مؤهلات وتجارب ميدانية في فترة تدريبهم بمديرية تكوين كتاب الضبط ، وهم أيضا خريجو المعهد الوطني للعمل الاجتماعي بطنجة الذين يسري عليهم نفس القول . إن وجود مؤسسة المساعدة الاجتماعية القضائية في النيابة العامة يشكل قيمة مضافة لعملها ، فهذه المؤسسة تقوم بالاستماع إلى الضحايا في ظروف ووفق شروط تجعلهم مرتاحين أكثر وتدفعهم إلى الإفصاح عن كل ما يخالجهم من هموم وضغوط وهو ما يمكن النيابة العامة من أن تجمع معطيات أكثر لتطبيق القانون مع مراعاة الجوانب الاجتماعية للأشخاص سواء كانوا ضحايا أو متهمين ، فالبحوث الاجتماعية والتقارير التي قد ترفع إلى النيابة العامة من شانها أن تكون عاملا مهما في تقوية موقفها وأخذ الحق لصاحبه والضرب على يد الظالم بعد إثبات تورطه .
لاجدال أن المساعدة الاجتماعية القضائية لو توفرت لها الإمكانيات الضرورية للاشتغال ستكون يدا يمنى للنيابة العامة في أداء مهامها خاصة ما يتعلق بالعنف ضد الأحداث وجنوحهم في عالم يزاد اليوم عنفا يوما بعد يوم وحيث أننا لسنا أمام حالة واحدة يستطيع القانون حسمها وطوي الملف وإنما نحن أمام ظاهرة عنف اجتماعية ضد الأطفال تنمو بشكل مضطرد لايستطيع القانون وحده مساعدة هؤلاء وحمايتهم وإنصافهم ، ولا ينحصر دور المساعدين الاجتماعيين القضائيين فقط في إعداد بحوث اجتماعية عن الضحايا والأحداث ، والنساء ضحايا العنف إذا ما أتيحت لهم ظروف اشتغال ملائمة بل بإمكانهم أن يكونوا مسهمين في التخفيف من حجم الملفات المعروضة على هيئات الحكم بالمحكمة من خلال محاولاتهم إجراء صلح بين أطراف النزاع ومحاولة رأب الصدع الحاصل بين المتخاصمين إلا في الأشياء التي يكون فيها الصلح معيق لتطبيق القانون فذلك يصبح خرقا لبنود القانون وهو يعلو فوق الجميع ، وقد تتفتق عبقرية المساعدين الاجتماعيين في النيابة العامة إلى أن يكونوا ملفا اجتماعيا عن الضحية أو المتهم . يضاف إلى الملف القانوني ويصحب معه ليشكل دليلا ومرشدا اجتماعيا وإنسانيا قانونيا على الحالة التي يتعامل معها الساهرون على تطبيق العدالة .
المساعدة الاجتماعية القضائية خدمة إنسانية اجتماعية محمية بمظلة القانون وتشتغل تحت يافطته وكل عمل لها خارج نطاق القانون يخرجها من موضوعيتها وإن المتأمل للنص القانوني في بنياته يكتشف بان وراء لغته الخشبية تلك وجهان ، قسوة على الإنسان الظالم وفي الجهة الأخرى لفحة إنسانية من خلال إنصاف المظلوم وإحقاق الحق ، ويمكن القول بأن المساعدة الاجتماعية القضائية أيضا وبحكم جدتها وحداثتها التي لم تتجاوز السنتين لا تزال مكبلة بإكراهات جمة من بينها :
ــ عدم توفر مجموعة من المحاكم على خلايا بمعنى الكلمة .
ــ عدم تفعيل مهام المساعدون الاجتماعيون القضائيون ببعض المحاكم واحترام مهامهم .
ــ عدم توفر الإمكانيات الضرورية للقيام بالمهام المنوطة بهم .
وهي اكراهات قليلة مما يمكن ان يتم ذكره اتيح لبعض الأطر التغلب عليها والحد منها ، فيما بدأ البعض يتناسى مهامه وينخرط في عمل هيئة كتابة الضبط بعد أن أعيته الحيلة ولم يسعفه شيء استنجد به للقيام بمهامه بالإضافة إلى غموض الأفق بشان المهنة الجديدة داخل مرفق حساس هدفه الأول والأخير إحقاق الحق وإزهاق الباطل . والحق لا يضاد الحق كما قال فيلسوف قرطبة " ابن رشد " ولكنه يشهد له ويشد عضده .
والله أعلم .
إعداد : ذ. شفيق ناده لموقع فاس بريس http://fespress.net
http://fespress.net/news4219.html
أضيف في 26 أبريل 2013 الساعة 18:19
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق