الأحد، 26 أبريل 2015

الرئيسية مقاطع من رواية " الرأس الكبير" ليوسف خليل السباعي

مقاطع من رواية " الرأس الكبير" ليوسف خليل السباعي


مقاطع من رواية " الرأس الكبير" ليوسف خليل السباعي
36-
كان " مرج أبي الطيب" لا يبتعد كثيرا عن " ثانوية وادي الذهب" التي أقيم بها. تعرفت هناك على " الأصفر". كان يتابع دراسته بنفس الفصل الذي كنت أدرس به.
كنت أزور ال " مرج..." من وقت لآخر، وتحديدا، السكن القصديري ل "الأصفر" الذي ينتسب لأسرة فقيرة، أعجز عن توصيفها، إلا أنها أسرة كريمة.
كان يشد تنبهي في هذا البيت الفقير امتلاك " الأصفر " لخزانة كتب صغيرة. هاهنا سأتعرف على حسين مروة، محمد عابد الجابري، الطيب التيزيني، أدونيس، والرائع محمود درويش. وفي لحظات عميقة كنا نقرأ سويا بصوت مرتفع قصائد لأدونيس ودرويش، فتحضر ( فلسطين) قمرا صامتا، هادئا كسحابة صيف عابرة.
كنت أقول في سري مستفهما: " هل قدر على هؤلاء الناس العيش في تلك القذارة طول حياتهم؟"... ولم أكن ألق الجواب. كان لابد أن يأتي يوم ينتفض فيه هؤلاء المظلومين على الظالم، ويستأصلوا الفقر والجهل والاضطهاد ليعيشوا كما الآخرين.
كنت أحلم بتحقيق هذا الأمر.
ومن غير تفكير، أسأل: هل سيتحقق ذلك يوما ما؟... لا أدري...لكن أين هو " الأصفر" حاليا؟...
منذ أن غادرت أصيلة اختفى، لم تفضل معي سوى صورته بقسماته الدقيقة الشاحبة، وشعره الأسود الأشعث، وابتسامته الغامضة.
اختفى " الأصفر"...
لا أثر له.كان مثل غيمة غرقت في بحر لا قرار له... أو كمثل شبح. لم تفضل إلا الذكرى المريرة... الذكرى المتهللة... أحيانا... المتبقية كشجرة عملاقة مغروسة في جذور القلب.
هل كان " الأصفر" أحد الحالمين أم الملعونين؟.
وحده القادر على الإجابة عن هذا السؤال.
عندما كنت أغادر " القريقية" مارا بالأسوار و البحر، قبل وصولي إلى الحيطان الملونة، حيث تغدو لوحات آسرة تنطق بحكايات وأساطير، كان لابد لي أن أدلف إلى قصر الريسوني، معقل الثقافة، ومعقل الشعر. هاهنا سمعت عن كثب شعر أدونيس. كان صوت طير حلق بي في سماء عالية. هذا العابر العاشق لأصيلة حد الهوس. مدينة الشعراء، والحالمين والملعونين. المهدي أخريف، ابتسام أشروي، العليوي، الوسيني، الريسوني، المنصوري، الشبرعال وآخرون.
أصيلة، المدينة الساحرة، تلك التي تكتب شعرها بحبر البحر.
37-
في هذه البؤرة البحرية الأكثر ثراء، كانت لي عاشقات: (ن)، (س)، (ب)، عاشقات عبرن جسدي اللاهث وراء سلطان الحب، سحر النشوة.
الحب. أي حب. هذا الذي لم يكن إلا حلما.
الحق أقول لكم إنني لم أعشق في أصيلة سوى بحرها، وأناسها الطيبين. ولم تكن ثانويتها سوى " إقامة عابرة". ومع هذا كانت الاستفادة كلية: تعلم للغة الفرنسية، حيث كان يحضر كامو، هيغو، بالزاك، مالارمي...، حيث كان المدرس "كالبو" يعلمنا بإتقان.
كان عطر " كالبو" جميل، ساحر، يملأ، فضاء حجرة الدرس. وكان يمشي كالأيل. حببني كثيرا في الفرنسية، التي ترجمت منها، لا حقا، كتابات رولان بار ت.

يوسف خليل السباعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.