البنية الفكرية للراحل محمد عابد الجابري - عبد العالي كركوب
تخليدا للذكرى الخامسة لرحيل مفكرنا المغربي محمد عابد الجابري التي تصادف
3 ماي أقدم لكم:
"البنية الفكرية للراحل محمد عابد الجابري"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الانتقال من التفكير فيما أنتجه المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، إلى التفكير في الطريقة التي أنتج بها، يجعلنا أمام ضرورة تحديد البنية الفكرية لهذا المفكر.
فالمتتبع للفكر الذي خلده الجابري بدءا من كتابه "نحن و التراث" و شروعه في "نقد العقل العربي"، وصولا إلى "فهم القرآن" يدرك أن البنية الفكرية للجابري تتحدد في طابعها العقلاني، فقد عمل على التأسيس و الانتصار لحركة عقلانية استمدت جذورها من عقلانية ابن رشد، بعد دراسته دراسة دقيقة جعلته يقول بأن الفكر الرشدي حقق قطيعة إبستمولوجية مع الفكر السينوي.
لقد حدد مسار فكر الجابري منذ تطلعاته الأولى للتراث، و بالتحديد عند دراسته لابن خلدون، انشغاله بهاجس أساسي، و هو المتمثل في كون التأويلات المعاصرة و المتعددة لابن خلدون تجعله بعيدا عنا، لذلك اعتمد الجابري على منهج يرتكز على العودة إلى النص، و هو نفس المنهج الذي سيطبقه في دراساته اللاحقة: سواء على الفارابي، أو ابن سينا، أو ابن رشد...
إذن، كان للمنهج التاريخي مكانة مهمة في توجيه فكر الجابري، فقد تعامل مع التراث باعتباره يساعد على فهم الحاضر؛ أي أننا نقرأ التاريخ لفهم الحاضر و ليس الماضي.
اعتمد الجابري مناهج علمية أخرى ساعدته على ضبط القول في مختلف قضايا التراث، و كذا قضايا و إشكاليات الفكر العربي المعاصر.
و بما أن الجابري كان عقلانيا، فإنه قام بالاحتفاظ في التراث العربي الإسلامي بكل ما يندرج داخل المعقول العقلي و المعقول الديني، و ألغى اللامعقول العقلي و اللامعقول الديني، و ذلك ليصون عقلانيته، و حتى لا يقع في التناقض. ففي مختلف مراحل تفكيره كان حريصا على معاداة كل ما يتأطر ضمن اللامعقول، و مؤيدا لكل ما يتأطر ضمن المعقول.
و بناءا على الضبط المنهجي و المعرفي، قام الأستاذ الجابري بتقديم قراءات تحليلية نقدية لثلاث نظم في الثقافة العربية، و هي: المعرفة، السياسة، الأخلاق، و هي موضوع مشروع نقد العقل العربي.
و إذا كان الجابري قد دعا إلى إعادة قراءة تاريخ الثقافة العربية الإسلامية، فإنه سيعمل في مشروعه فهم القرآن، على تنفيذ مشروعه الأول عمليا، و نخلص من مشروعه هذا، إلى أنه حافظ على ثبات بنيته الفكرية، و ذلك لكي لا يكون مشروعه الثاني مناقضا للأول.
و بهذا، فطريقة تفكير الجابري -التي اتخذت لنفسها مداخل علمية تتماشى و مرتكزات العقل و المنطق- كان غرضها الاستمرار في سيرورة الحركة العقلانية التي عمل على تأسيسها الانتصار لها.
و من هنا نخلص إلى أن الطريقة التي أنتج بها الجابري تتسم بالدقة و الموضوعية، تفاديا لترك ثغرات، و السقوط في منزلقات الآخرين، مدشنا بذلك قوله في قضايا يرى بأنها لم تطرح من قبل، مثل قوله في نقد العقل العربي و مستوياته الثلاثة: المعرفة، السياسة، و الأخلاق.
عبد العالي كركوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق